الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

قلت: ولو أنما في الأرض: مذهب الكوفيين وجماعة: أن ما بَعد " لو ": فاعل بفعل محذوف، أي: ولو ثبت كون ما في الأرض.. إلخ. ومذهب سيبويه: أنه مبتدأ، أي: ولو كون ما في الأرض واقع، والبحر: مبتدأ، ويمده: خبره، أي: يمد ما ذكر من الأقلام. ومن بعده سبعةُ أبحر: مبتدأ وخبر. وحذف التمييز، أي: مداداً، يدل عليه يمده، أو سبعة: فاعل يمده، أي: يصب فيه سبعةُ أبحر، والجملة: حال، أي: ولو أن الأشجار أقلام، في حال كون البحر ممدوداً، ما نفدت... إلخ. وجملة يمده: خبر البحر. ومن قرأ بالنصب فعطف على اسم " إن " ، وهو ما. يقول الحق جل جلاله: { ولو أنّ ما في الأرض من شجرة } من الأشجار { أقلام } ، والبحر يمد تلك الأقلام، يصب في ذلك البحر { سبعةُ أبحر } ، وتلك الأقلام كلها تكتب كلمات الله الدالة على عظمته وكمالاته، { ما نَفِدَتْ } كلماته، ونفدت الأقلام، وجفت تلك الأبحر، وهذا كقوله:قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } [الكهف: 109] مع زيادة المبالغة بذكر السبعة أبحر، يقال: مد الدواة وأمدها: جعل فيها مداداً، فجعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة، والأبحر السبعة مدادها، وفروع الأشجار كلها أقلام تكتب كلماته تعالى، فلو قدر ذلك لتكسرت الأقلام وجفت الأبحر، قبل ان تنفد كلماته تعالى لأنها تابعة لعلمه، وعلمه لا نهاية له. وإنما وحدَّ الشجرة لأن المراد تفصيل الشجر وتقَصِيها شجرة شجرة، حتى ما يبقى من جنس الشجر، ولا واحدة إلا وقد بُريت أقلاماً. وأوتر الكلمات، وهي من حيز جمع القلة، على الكَلِم، الذي هو جمع الكثرة لأن المعنى: أن كلماته لا يفي بها الأقلام فكيف بكلامه الكَثير؟. { إن الله عزيزٌ } لا يُعجزه شيء، { حكيم } لا يخرج عن علمه وحكمته شيء، فلا تنفد كلماته وحكمته. والآية جواب اليهود، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن قلنا: الآية مدنية، أو: أَمروا وَفد قريش أن يسألوه عن قوله:وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء:85]، فقالوا: هل عنيتنا أمْ قومك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " كُلاّ قد عنيت " فقالوا: أليس فيما قد أوتيت أنَّا قد أُوتينا التوراة، فيها علم كل شيء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " هي في علم الله قليل " ، فأنزل الله: { ولو أنما... } إلخ. ولما ذكر شأن كلامه وعلمه ذكر شأن قدرته، فقال: { ما خلْقُكُمْ ولا بعثُكُم إلا كنَفْسٍ واحدةٍ } ، أي: إلا كخلق نفس واحدة، وبعث نفس واحدة. فحُذف، للعلم به، أي: القليل والكثير في قدرة الله تعالى سواء، فلا يشغله شأن عن شأن، وقدرته عامة التعلق، تَنْفُذُ أسرع من لمح البصر.

السابقالتالي
2