يقول الحق جل جلاله: { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولُنَّ الله } لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره، فيضطرون إلى الإقرار بذلك، { قل الحمدُ لله } على إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم من شرك الأصنام، { بل أكثرهم لا يعلمون } إن ذلك يلزمهم إذا نبهوا عليه، ولم ينتبهوا، فالإضراب عن كلام محذوف، أي: فيجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، لمّا اعترفوا، ولكنهم لا يعلمون، { لله ما في السماوات والأرض } ملكاً وعبيداً، { إنَّ الله هو الغنيُّ الحميدُ } ، أي: الغني عن حمد الحامدين، المستحق للحمد وإن لم يحمدوه. الإشارة: قد اتفقت الملل على وجود الصانع. ثم وقفت العقول في مقام الحيرة والاستدلال، وامتدت الأرواح والأسرار بأعناقها إلى معرفة الذات وشهودها، فمن وَجَدَتْ عارفاً كاملاً سلك بها الطريق، حتى أوقعها على عين التحقيق، فأشرفت على البحر الزاخر، فغرقت في بحر الذات وتيار الصفات، ثم رجعت إلى بر الشريعة لتدل غيرها على الوصول. وقل الحمد لله أَنْ وَجَدْتَ من يعرفك بالله، وأكثر الخلق حائدون عن العلم بالله. ثم إنّ العلم بالله وبصفاته واسمائه لا نهاية له، كما قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ... }