الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }

يقول الحق جل جلاله: { أَلَمْ تَرَوْا أن الله سخر لكم ما في السماوات والأرض } ، يعني: الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والمطر، وغير ذلك، { وما في الأرض } ، يعني: البحار والأنهار، والأشجار، والثمار، والدواب، والمعادن، وغير ذلك، { وأسْبَغَ }: أتم { عليكم نِعَمَه } ، بالجمع، والإفراد إرادة الجنس. والنعمة: ما يسر به الإنسان ويتلذذ به، حال كونها { ظاهرةً } ما تدرك بالحس، { وباطنة } ما تدرك بالعلم والوجدان. فقيل: الظاهرة. السمع، والبصر، واللسان، وسائر الجوارح الظاهرة، والباطنة: القلب، والعقل، والفهم، وما أشبه ذلك. أو: الظاهرة: الصحة والعافية، والكفاية والباطنة: الإيمان، واليقين، والعلم والمعرفة بالله، وسيأتي في الإشارة بقيتها. رُوي أن موسى عليه السلام قال: دُلني على أخفى نعمتك على عبادك، فقال: أخفى نعمتي عليهم: النَّفسُ. هـ. قلت: إذ بمجاهدتها تحصل السعادة العظمى، ولا وصول إليه إلا بمجاهدتها والغيبة عنها. وفي هذا المعنى كان شيخ شيخنا يقول: جزاها الله عنا خيراً ما ربحنا إلا منها. هـ. وقيل: الظاهرة: تحسين الخلْق، والباطنة: حُسْنُ الخلقُ. وقال ابن عباس: الظاهرة: ما سوى من خلقك، والباطنة: ما ستر من عيوبك. { ومن الناس من يُجادل في الله } بعد هذه النعم المتواترة، أي: في توحيده وصفاته ودينه، { بغير علم } مستفاد من دليل ولا برهان، { ولا هُدىً } اي: هداية رسول، { ولا كتاب منير } أنزله الله، بل بمجرد التقليد الردي. نزلت في النضر بن الحارث. وقد تقدمت في الحج. { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله } على رسوله من التوحيد، والشرائع، { قالوا بل نتبعُ ما وجدنا عليه آباءنا } من عبادة الأصنام. وهو دليل منع التقليد في الأصول. قاله البيضاوي قلت: والمشهور أن إيمان المقلِّد صحيح. وأما من قلَّد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم ينظر، فهو مؤمن، اتفاقاً. قال تعالى: { أَوَ لَو } أيتبعونهم، ولو { كان الشيطانُ يدعوهم إلى عذاب السعير } ، يحتمل أن يكون الضمير لهم، أي: أيقلدونهم، ولو كان يدعوهم بذلك التقليد إلى العذاب، أو: لآبائهم، أي: أيتبعون آباءهم، ولو كان الشيطان في زمانهم يدعوهم إلى عذاب السعير. الإشارة: الأكوان كلها خُلِقَتْ لك أيها الإنسان، وأنت خُلِقْتَ للحضرة، فاعرف قَدْرَكَ، ولاتتعدَّ طَوْرَكَ، واشكر النعم لتي أسبغ عليك ظاهرة وباطنة. الظاهرة: استقامة الظواهر في عمل الشرائع، والباطنة: تصفية البواطن لتتهيأ لأنوار الحقائق، أو: الظاهرة: المنن، والباطنة: المحن. قال القشيري: قد تكلموا في الظاهرة والباطنة وأكثروا. فالظاهرةُ: وجودُ النعمة، والباطنةُ: شهودُ المنعِم، أو: الظاهرةُ: الدنيويةُ، والباطنة: الدينية. أو: الخلْق والخُلق، أو: نَفْس بلا زَلَّة، وقلبٌ بلا غفلة، أو: عطاء ورضى. أو: الظاهرة: في الأموال ونمائها، والباطنة: في الأحوال وصفائها، أو: الظاهرة: النعمةُ، والباطنة: العصمةُ، أو: الظاهرةُ: توفيقُ الطاعات، والباطنة: قبولُها، أو: الظاهرة: صحبة العارفين، والباطنةُ: حِفْظُ حُرْمَتِهم وتعظيمهم.

السابقالتالي
2