الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ }

قلت: الضمير في إنها: للقصة، ومن قرأ " مثقال ": بالرفع ففاعِلُ كَانَ التامة ومن قرأ بالنصب فخبرها، والضمير: للخطيئة أو الهيئة. وأنث " المثقال " لإضافته إلى الحبة. يقول الحق جل جلاله: وقال لقمان لابنه، حين قال له: يا أبت: إن عَمِلْتُ بالخطيئة، حين لا يراني أحد، كيف يعلمها الله؟ فقال: { يا بُنيَّ إنها } ، أي: القصة أو الخطيئة { إن تكُ مثقال حبةٍ من خَرْدَلٍ } أي: إن تك المعصية في الصغر والحقارة، مثالَ حَبَّةٍ من خردل، أو: إن تقع مثقالُ حَبَّةٍ من المعاصي { فتكن في صخرةٍ } ، أي: فتكن، مع صغرها، في أخفى مكان، أو في جبل. وقال ابن عباس: هي صخرة تحت الأَرَضين السبع، وهي التي يكتب فيها أعمال الفجار، وخضرة الماء منها. هـ. قال السدي: خلق الله تعالى الأرض على حوت، والحوت في الماء، والماء على ظهر صَفَاةٍ - أي: صخرة - والصفاة على ظهر ملَكَ، والملك على صَخْرَة. وهي الصخرة التي ذكر لقمان. ليست في السماء ولا في الأرض، والصخرة على الريح. هـ. أي: إن تقع المعصية في أخفى مكان { يأتِ بها اللهُ } يوم القيامة فيحاسب عليها عاملها. { إن الله لطيفٌ }: يتوصل علمه إلى كل خفي، { خبير }: عالم بكنهه، أو: لطيف باستخراجها خبير بمستقرها. { يا بُني أقم الصلاةَ }: أتقنها، وحافظ عليها تكميلاً لنفسك، { وأْمُر بالمعروف وَانْهَ عن المنكر } تكميلاً لغيرك، { واصبرْ على ما أصابك } في ذات الله تعالى، إذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر فإن فعل ذلك تعرض للأذى، أو: على ما أصابك من الشدائد والمحن فإنها تورث المنح والمنن. { إِن ذلك } الذي وصيتك به، { من عزم الأمور } أي: مما عزمه الله من الأمور، أي: قَطَعَه قطع إيجاب وإلزام، أي: أمر به أمراً حتماً. وهو مصدر بمعنى المفعول، أي: من معزومات الأمور، أي: مقطوعاتها ومفروضاتها. وفيه دليل على أن هذه الطاعات كانت مأموراً بها في سائر الأمم. { ولا تُصَعِّر خَدكَ للناس } أي: تُمله عنهم، ولا تولهم صفَحة خدك، كما يفعله المتكبرون. والتصعير: داء يصيب العير، فيلوى عُنُقَهُ منه. والمعنى: أَقْبِل على الناس بوجهك تواضعاً، ولا تُولهم شق وجهك وصفحته { ولا تمشِ في الأرض مرحاً } خُيَلاَءَ متبختراً، فهو مصدر في موضع الحال، أي: مَرِحاً، أو تمرح مرحاً، أو: لأجل المرح، { إن الله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ } ، علة النهي. والمختال هو المرِحُ الذي يمشي خيلاء، والفخور هو المُصَعِّرُ خَدَّهُ تكبراً. وتأخير الفخور، مع تقدمه لرؤوس الآي. { واقصِدْ في مشيك } توسط فيه بين الدبيب والإسراع، فلا تدب دبيب المتماوتين، ولا تثب وثوب الشطارين، قال عليه الصلاة والسلام: " إنَّ سُرْعَةَ المَشي تُذْهِبُ بَهَاءِ المُؤْمِنِ "

السابقالتالي
2 3