الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قلت: الجملتان معترضتان بين أجزاء توصية لقمان لابنه. ووَهْناً: حال من أمه، أي: حملته حال كونها ذَاتَ وَهْنٍ، أو من الضمير المنصوب، أي: حملته نُطْفَةً، ثم علقة... إلخ، أو مصدر، أي: تهن وهناً. يقول الحق جل جلاله: { ووصينا الإنسانَ بوالديه } أن يَبَرَّهُمَا ويُطِيعَهُمَا، ثم ذكر الحامل على البر فقال: { حَمَلَتْهُ أُمُّه وَهْناً على وَهْنٍ } أي: تضعف ضعفاً فوق ضعف، أي: يتزايد ضعفها ويتضاعف لأن الحمل، كلما ازداد وعظم، ازدادت ثِقلاً. { وفِصَالهُ في عامين } أي: فطامه لتمام عامين. وهذا أيضاً مما يهيج الولد على بر والديه، فيتذكر مَرْقده في بطن أمه، وتعبَها معه في مدة حَمْلِةِ، ثم ما قاست من وجع الطلق عند خروجه، ثم ما عالجته في أيام رضاعه من تربيته، وغسل ثيابه، وسهر الليل في بكائه، إلى غير ذلك. { أن اشكر لي ولوالديك } ، هو تفسير لِوَصَّينَا، أو على حذف الجار، أي: وصيناه بشكرنا وبشكر والديه. وقوله: { حملته أمه.. } إلخ: اعتراض بين المفسَّر والمفسِّر، لأنه لَمَّا وصى بالوالدين، ذكر ما تُكابده وتُعاينه من المشاق في حمله وفصاله، هذه المدة الطويلة تذكيراً لحقها، مفرداً. وعن ابن عُيَيْنَةَ: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين، في أدبار الصلوات الخمس، فقد شكرهما. هـ. وقال القشيري: والإجماع على أن شكر الوالدين بدوام طاعتهما. ثم قال: فشكرُ الحقِّ بالتعظيم والتكبير، وشكرُ الوالدين بالإشفاق والتوقير. هـ. ثم قال تعالى: { إليَّ المصيرُ } فأحاسبك على شكرك، أو كفرك. { وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به عِلْمٌ } ، أراد بنفي العلم به نفيَه من أصله، أي: أن تشرك بي ما ليس بشيء. أو: ما ليس لك به علم باستحقاقه الإشراك مع الله، بل تقليداً لهما، { فلا تُطِعْهُما } في ذلك الشرك. { وصاحبهما في الدنيا معروفاً } أي: صِحَاباً معروفاً يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم، وهو الخُلُقُ الجميل، بِحِلْمٍ، واحتفالٍ، وبر، وصلة. وقد تقدم تفسيره في الإسراء. { واتبع سبيل من أناب إلي } أي: اتبع طريق مَنْ رَجَعَ إليَّ بالتوحيد والإخلاص، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، ولاتتبع سبيلهما، وإن كنت مأموراً بحسن مصاحبتهما في الدنيا، وقال ابن عطاء: اتبع سبيل من ترى عليه أنوار خدمتي. هـ. { ثم إليَّ مرجِعكُم } أي: مرجعك ومرجعهما، { فأُنَبِئُكم بما كنتم تعملون } فأجازيك على إيمانك وَبِرِّكَ وأجازيهما على كفرهما. وَاعْتَرَضَ بهاتين الآيتين، على سبيل الاستطراد تأكيداً لِمَا في وصية لقمان من النهي عن الشرك، يعني: إنما وصيناه بوالديه، وأمرناه ألا يطيعَهُمَا في الشرك، وإن جاهدا كل الجهد لقبح الشرك. وتقدم أن الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص، وأنه مضت لأمه ثلاث ليال لم تَطْعم فيها شيئاً، فشكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت، وقيل: من أناب: أبو بكر لأن سعداً أسلم بدعوته.

السابقالتالي
2