الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { أَوَلَمْ يروا أن الله يبسط الرزقَ لمن يشاءُ ويقدرُ } أي: يضيق على من يشاء، فينبغي للعبد أن يكون راجياً ما عند الله، غير آيس من روح الله إذ دَوَامُ حَالٍ من قضايا المحال، { إن في ذلك لآياتٍ لقوم يؤمنون } فيستدلون بها على كمال قدرته وحكمته، ولا يقفون مع شيء دونه. قال النسفي: أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه القابض الباسط، فما لهم يقنطون من رحمته؟ وما لهم لا يرجعون إليه، تائبين من معاصيهم، التي عوقبوا بالشدّة من أجلها، حتى يعيد عليهم رحمته؟ ولما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم، أتبعه ذكر ما يحب أن يفعل وما يجب أن يترك، يعني: عند البسط فقال: { فآت ذا القربى } أعطِ قريبك { حَقَّهُ } من البر والصلة مما بسط عليك. { و } أعط { المسكينَ وابنَ السبيل } حقهما من الصدقة الواجبة أو التطوعية، حسبما تقتضيه مكارم الأخلاق. والخطاب لمن بسط عليه، أو: للنبي - عليه الصلاة والسلام، وغيره تبع. { ذلك } أي: إيتاء حقوقهم الواجبة، والتطوعية، { خيرٌ للذين يُريدون وَجْهَ الله } أي: ذاته المقدسة، أي: يقصدون، بمعروفهم، إياه، خالصاً. { وأولئك هم المفلحون } الفائزون بكل خير، قد حَصَّلوا، بما بسط لهم، النعيم المقيم. { وما آتيتم من رباً ليربو في أموالِ الناس } أي: وما أعطيتم من مال لتأخذوا من أموال الناس أكثر منه، كَيْفِيَّةً أو كَمِّيَّةً، { فلا يربوا عند الله } ولا يبارك فيه، بل يُسحته ويمحقه، ولو بعد حين. وهذه صورة الربا المحرمة، إجماعاً، وقيل: وما أعطيتم من هدية لتأخذوا أكثر منها، فلا يربو عند الله، لأنكم لم تقصدوا به وجه الله. وهذه هدية الثواب، جائزة، إلا في حقه - عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى:وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [المدثر: 6]. وقرأ ابن كثير: " أتيتم " بالقصر، بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا. وقرأ نافع: " لتُرْبُوا " بالخطاب، أي: لتصيروا ذَوِي ربا، فتزيدوا في أموالكم. { وما آتيتم من زكاةٍ } صدقة، { تُريدون وجه الله } تبتغون به وجهه خالصاً، لا تطلبون به زيادة، ولا مكافأة، ولاسمعة، { فأولئك هم المضْعِفُونَ } أي: ذوو الأَضْعَافِ من الحسنات، من سبعمائة فأكثر. ونظير المُضْعِفِ: المقوي، والموسر، لذي القوة واليسار. والالتفات إلى الخطاب في أولئك... إلخ في غاية الحسن لما فيه من التعظيم، كأنه خاطب الملائكة وخواص الخلق تعريفاً بحالهم، وتنويهاً بقدرهم، ولأنه يفيد التعميم، كأنه قيل: مَنْ فَعَلَ هذا فسبيله سبيل المخاطبين المقبول عليهم. ولا بد من ضمير يعود إلى " ما " الموصولة، أي: المضعفون به. أو: فَمُؤْتُوه أولئك هم المضعفون. وقال الزجاج: أي: فأهلها هم المضعفون، أي: يضاعف لهم الثواب، من عشر إلى سبعمائة.

السابقالتالي
2