الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } * { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } * { فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }

يقول الحق جل جلاله: بعد التسمية { الـۤـم } أي: أيها المصطفى، أو: المرسل، { غُلبت الرومُ } أي غلبت فارسُ الرومَ { في أدنى الأرض } أي: في أقرب أرض العرب لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم، أي: غلبوا في أدنى أرض العرب منهم، وهي أطراف الشام. أو أراد أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف إليه أي: في أدنى أرضهم إلى عدوّهم. قال ابن عطية: قرأ الجمهور: " غُلبت " بضم الغين. وقالوا: معنى الآية: أنه بلغ أهل مكة أن الملك كسرى هزَم جيشَ الروم بأذرعاتِ، وهي أدنى أرض الروم إلى مكة، فسُر لذلك كفارُ قريش، فبشر المؤمنين بأن الروم سيغلبون. هـ. وهذا معنى قوله: { وهم } أي: الروم { من بعد غَلَبِهم } ، وقرئ: بسكون اللام كالحلَب والحلْب، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: وهم من بعد غلبة فارس إياهم { سيَغْلِبون } فارس، وتكون الدولة لهم. وذلك { في بِِضْعِ سنين } ، وهو ما بين الثلاث إلى العشر. قال النسفي: قيل: احتربت الروم وفارس، بين أذرعاتِ وبُصرى، فغلبت فارسُ الروم، والمَلِكُ بفارس، يومئذٍ، كسرى " أبرويز " ، فبلغ الخبر مكة، فشقَّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لأنَّ فارسَ مجوسٌ لا كتاب لهم، والروم أهل كتاب، وفرح المشركون وشمتوا، وقالوا: أنتم والنصارى أهل الكتاب، ونحن فارس أُمِّيُّون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرنَّ نحن عليكم فنزلت الآية. فقال أبو بكر: والله ليَظْهَرَنَّ الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له أُبَيُّ بنُ خلف: كذبت، فناحبه - أي: قامره - على عشر قلائص من كل واحد منهما، وجعل ثلالث سنين، فأخبر أبو بكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال - عليه الصلاة والسلام-: " زِدْ في الخطر وأبعد في الأجل " ، فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبيّ من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، أو: يوم بدر، فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أُبَيَّ، فقال عليه الصلاة والسلام -: " تصدَّقْ به ". وهذه آية بينة على صحة نبوته، وأن القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب. وكان ذلك قبل تحريم القمار، عن قتادة. ومذهب ابي حنيفة ومحمد - رضي الله عنهما -: أن العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره، جائز في دار الحرب بين المسلمين والكفار، واحتجا بهذه القصة. هـ. زاد البيضاوي: وأجيب بأنه كان قبل تحريم القمار. هـ وقرئ: " غلبت " بالفتح، " وسيُغلبون " بالضم، ومعناه: أن الروم غَلَبُوا على ريف الشام، وسيغلبهم المسلمون، وقد غزاهم المسلمون في السنة التاسعة من نزولها، وفتحوا بعض بلادهم، وعلى هذا يكون إضافة الغلَب إلى الفاعل.

السابقالتالي
2 3