الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

قلت: { لو }: مصدرية، أي: تمنوا إضلالكم. يقول الحقّ جلّ جلاله: لبعض المسلمين - وهم حذيفة وعمار ومعاذ - دعاهم اليهود إلى دينهم وطمعوا فيهم: { ودت طائفة } أي: تمنت طائفة { من أهل الكتاب لو يُضلونكم } أي: يفتنونكم عن دينكم، ويتلفونكم عن طريق الحق، { وما يُضلون إلا أنفسهم } لأن المسلمين لا يقبلون ذلك منهم، فرجع الضلال عليهم، وعاد وباله إليهم، وتضاعف عذابه عليهم، { وما يشعرون } أن وباله راجع إليهم. ثم صرّح الحق تعالى بعتابهم، فقال: { يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله } المنزلة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتجحدون رسالته؟ { وأنتم تشهدون } أنها من عند الله، وأنه نبيّ الله، وهو منعوت عندكم في التوراة والإنجيل، والمراد أحبارهم، أو تشهدون أنه نبيّ الله بالمعجزات الواضحات. { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل } بالتحريف وإبراز الباطل في صورة الحق، حتى كتمتم نعت محمد وحرفتموه، وأظهرتم موضعه الباطل الذي سولت لكم أنفسكم؟ { وتكتمون الحق } نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، { وأنتم تعلمون } أنه رسول الله حقّاً وأن دينه حق، أو: وأنتم عالمون بكتمانكم. الإشارة: ترى كثيراً من أهل الرئاسة والجاه من أولاد الصالحين، وممن ينتسب لهم، إذا رأوا من ظهر بالخصوصية في زمانهم يتمنون إضلالهم وإطفاء أنوارهم، خوفاً على زوال رئاستهم، { وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون } ،وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [الصف: 8]، وهذه نزعة يهودية سببها الحسد، والحسود لا يسود، وبعضهم يتحقق بخصوصية غيرهم، فيكتمها وهو يشهد بصحتها، فيقال لهم: { لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون }؟ و { لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون }؟