الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قلت: { ذرية }: حال، أبو بدل من الآلين، أو من نوح، أي: أنهم ذرية واحد متشعبة بعضها من بعض. و { إذ قالت }: ظرف لعليم، أو بإضمار اذكر. و { محرراً }: حال، والتحرير: التخلص، يقال: حررت العبد، إذا خلصته من الرق، وحررت الكتاب، إذا أصلحته وأخلصته، ولم يبق فيه ما يحتاج إلى إصلاح، ورجل حُر، أي: خالص، ليس لأحد عليه متعلق، والطين الحُر، أي: الخالص من الحمأة. وقوله: { وإني سميتها مريم }: عطف على { إني وضعتها } ، وما بينهما اعتراض، من كلامها على قراءة التكلم، أو من كلام الله على قراءة التأنيث. يقول الحقّ جلّ جلاله: { إن الله اصطفى آدم } بالخلافة والرسالة، { ونوحاً } بالرسالة والنِّذَارة، { وآل إبراهيم } بالنبوة والرسالة، وهم: إسحاق، ويعقوب والأسباط، وإسماعيل، وولده سيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة والمحبة الجامعة. { وآل عمران } ، وهم موسى وهارون - عليهما السلام - وهو عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوى بن يعقوب، أو المراد بعمران: عمران بن أشهم بن أموي، من ولد سليمان عليه السلام، وهو والد مريم أم عيسى عليه السلام، وقيل: المراد عمران بن ماثان، أحد أجداد عمران والد مريم. وإنما خصّ هؤلاء لأن الأنبياء كلهم من نَسْلهم. وقيل: أراد إبراهيم وعمران أنفسهما. " وآل " مقحمة، كقوله:وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَارُونَ } [البَقَرَة: 248] أي: موسى وهارون، فقد فضل الحقّ - جلّ جلاله - هؤلاء الأنبياء بالخصائص الجسمانية والروحانية { على العالمين } أي: كلاً على عَالَمِي زمانه، وبه استدلّ على فضلهم على الملائكة. حال كونهم { ذرية } متشعبة { بعضها من } ولد { بعض } في النسب والدين، { والله سميع } لأقوال العباد وأعمالهم، { عليم } بسرائرهم وعلانيتهم، فيصطفي من صفا قوله وعمله، وخلص سره، للرسالة والنبوة. ثم تخلًّص لذكر نشأة مريم، توطئة لذكر ولدها، فقال: واذكر { إذ قالت امرأة عمران } وهي حنة بنت فاقوذا، جدة عيسى عليه السلام: { ربِّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً } لخدمة بيت المقدس، لا أشغله بشيء، أو مخلصاً للعبادة، { فتقبل مني إنك أنت السميع العليم } ، وكان المحرر عندهم، إذا حُرر، جُعل في الكنيسة يقوم عليها وينكسها، ولا يبرح منها حتى يبلغ الحلم، ثم يُخَيَّر، فإن أحبَّ أقام أو ذهب حيث شاء، ولم يكن يحرر إلا الغلمان لأن الجارية لا تصلح للخدمة لما يصيبها من حيض، فحررت أمُّ مريمَ حمْلَها تَدْرِ ما هو. وقصة ذلك: أن زكريا وعمران تزوجا أختين، فتزوج زكريا أشياعَ بنت فاقوذا، وتزوج عمران حنة بنت فاقوذا، فكان عيسى ويحيى ابني الخالة، وكانت حنة عاقراً لا تلد، فبينما هي في ظل شجرة، بصُرت بطائر يطعم فرخاً. فتحركت لذلك نفسها للولد فدعت الله تعالى، وقالت: اللهم لك علي، إن رزقتني ولداً، أن أتصدق به على بيت المقدس، يكون من سدنته وخدمه، فحملت بمريم، فهلك عمران، وحنة حامل بمريم، { فلما وضعتها } أي: النذيرة، أو ما في بطنها، قالت: { ربِّ إني وضعتها أنثى } ، قالت ذلك تحسّراً وتحزناً إلى ربها، لأنها كانت ترجوا أن تلد ذكراً يصلح للخدمة، ولذلك نذرته.

السابقالتالي
2 3 4