الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قلت: المرابطة: أن يربط هؤلاء خيولهم، وهؤلاء خيولهم، إرصاداً لمن حاربهم، ثم أُطلق على كل مقيم في ثغر يدفع عمن وراءه، وإن لم يكن له مركب، إذا كان بنية الدفع عن المسلمين كان بأهله أو وحده. المدار على خلوص النية، خلاف ما قاله ابن عطية، وسيأتي صوابه في تفسير المعنى، إن شاء الله. يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا اصبروا } على مشاق الطاعات، وما يصيبكم من الشدائد والأزْمَات، وعلى مجانبة المعاصي والمخالفات، وعلى شكر ما أوليتكم من مواهب العطيات { وصابروا } أي: غالبوا الأعداء في مواطن الصبر، والثبوت في مداحض الحرب، { ورابطوا } أبدانكم وخيولكم في الثغور لتحفظوا المسلمين من العدو الكفور، كي تفوزوا بعظائم الأجور قال صلى الله عليه وسلم: " من رَابَط يَوْماً ولَيلَة في سبيل اللّهِ كان كعدل صِيامِ شَهْر وصِيَامه، لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة، ومن توفي في سبيل الله - أي: مرابطاً في سبيل الله - أجْرَى الله عليه أجره حتى يقضي بين أهلِ الجنَةِ وأهل النَّارِ " ومما يلحق بالرباط: " انتظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ " ، كما في الحديث: { واتقوا الله } فيما يأمركم به وينهاكم عنه، { لعلكم تفلحون } فلاحاً لا خسران بعده أبداً. الإشارة: { يا أيها الذين آمنوا } إيمان أهل الخصوص، { اصبروا } على حفظ مراسم الشريعة، { وصابروا } على تحصيل أنوار الطريقة، { ورابطوا } قلبوكم على شهود أسرار الحقيقة، أو: اصبروا على أداء العبادة، وصابروا على تحقيق العبودية، ورابطوا في تحصيل العبودة - أي: الحرية - أو: اصبروا على تحقيق مقام الإسلام، وصابروا على دوام الإيمان، ورابطوا على العكوف في مقام الإحسان، أو: اصبروا على تخليص الطاعات، وصابروا على رفض الحظوظ والشهوات، ورابطوا أسراركم على أنوار المشاهدات، { واتقوا الله } فلا تشهدوا معه سواه، { لعلكم تفلحون } ، بتحقيق معرفة الله. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.