الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

قلت: { وقتلهم }: معطوف على { ما } المفعولة أو النائبة عن الفاعل، على القرائتين رفعاً ونصباً، و { أن الله }: عطف على { ما } أي: ذلك العذاب بسبب ما قدمتم وبأن الله منتفٍ عنه الظلم، فلا بد أن يعاقب المسيء ويثيب المحسن، { الذين قالوا إن الله عهد إلينا }: صفة للذين { قالوا إن الله فقير } ، أو بدل منه مجرور مثله. يقول الحقّ جلّ جلاله: { لقد سمع الله قول } اليهود { الذين قالوا إن الله فقير ونحن إغنياء } وقائله: فِنْحَاصُ بن عَازُرواء، في جماعة منهم، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كتب مع أبي بكر إلى يهود بن قينقاع، يدعوهم إلى الإسلام، وإلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً، فدخل أبو بكر رضي الله عنه مِدْرَاسَهُم، فوجد خلقاً كثيراً اجتمعوا إلى فنحاص، وهو من علمائهم - ومعه حبر آخر اسمه: أيشع، فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله، قد جاءكم بالحق من عند الله، اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله، قد جاءكم بالحق من عند الله، فأسلِمْ وصَدِّق، وأقْرِض الله قرضاً حسناً يدخلك الجنة، فقال فنحاص لعنه الله: يا أبا بكر تزعم ان ربنا يستقرضنا أموالنا، وما يستقرض إلا الفقير من الغني، ولو كان غنيّاً ما استقرض، فلطمه أبو بكر رضي الله عنه وقال: لولا ما بيننا من العهد لضربت عنقك، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: عليه الصلاة والسلام:- " ما حملك على ما فعلت؟ " فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير، وهم أغنياء، فجَحَد ما قال، فنزلت الآية تكذبياً له. والمعنى: أن الله سمع مقالتهم الشنيعة، وأنه سيعاقبهم عليها، ولذلك قال: { سنكتب ما قالوا } أي: سنسطرها عليهم في صحائف أعمالهم، أو سنحفظها في علمنا ولا نهملها، لأنها كلمة عظيمة، فيها الكفر بالله والاستهزاء بكتاب الله وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نظمت مع قتلهم الأنبياء، حيث عطفه عليه، وفيه تنبيه على أن قولهم الشينع ليس هو أول جريمة ارتكبوها، وأن من اجترأ على قتل الأنبياء لم يستبعد أمثال هذا القول منه. ثم ذكر عقابهم، فقال: { ونقول } لهم يوم القيامة: { ذوقوا عذاب الحريق } أي: المُحْرِق، والذوق: يطلق على إدراك المحسوسات كالمطعومات، والمعنويات كما هنا، وذكره هنا لأن عذابهم مرتب على قولهم الناشئ عن البخل، والتهالك على المال، وغالب حاجة الإنسان إليه، لتحصيل المطاعم، ومعظم بخله للخوف من فقده. { ذلك } العذاب بسب ما { قدمت أيديكم } من قتل الأنبياء، وقولكم هذا، وسائر معاصيكم، وعبّر بالأيدي لأن غالب الأعمال بهن، وبأن { الله ليس بظلام للعبيد } بل يجازي كلَّ عبد بما كسب من خير أو شر، فأنتم ظلمتم أنفسكم.

السابقالتالي
2