الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

قلت: الموصول بدل من الموصول قبله، و { يخوف }: يتعدى إلى مفعولين للتضعيف، حذف الأول، أي: يخوفكم أوليائه من الكفار، أو حذف الثاني، أي: يخوف أولياءه القاعدين عن الخروج إلى ملاقاة العدو. وهنا تفسيران: أحدهما: أن يكون من تتمة غزوة أحد، وهو الظاهر، ليتصل الكلام بما بعده، وذلك أن أبا سفيان لما هَمّ بالرجعة ليستأصل المسلمين، لقيه معبد الخزاعي، فقال له: إن محمداً خرج يطلبك في جمع لم أرَ مثله، فدخله الرعب، فلقيه ركب من عبد القيس يريد المدينة بالميرة، فقال لهم: ثبطوا محمداً عن لحوقنا، ولكم حمل بعير من الزبيب، فلما لقوا المسلمين خوفوهم، فقال: { حسبنا الله ونعم الوكيل } ، ومضوا حتى بلغوا حمراء الأسد ثم رجعوا، فعلى هذا: يقول الحقّ جلّ جلاله: { الذين قال لهم الناس } وهم ركب عبد قيس حيث قالوا للمسلمين: { إن الناس } يعني أبا سفيان ومن معه، { قد جمعوا لكم } ليرجعوا ليستأصلوكم { فاخشوهم } وارجعوا إلى دياركم { فزادهم } ذلك { إيماناً } ويقيناً وتثبيتاً في الدين، وهذا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بحسب التوجه إلى الله والتفرغ مما سواه، وينقص بحسب التوجه إلى الدنيا وشغبها، ويزيد أيضاً بالطاعة والنظر والاعتبار، وينقص بالمعصية والغفلة والاغترار. ولما قال لهم الركب ذلك ليخوفهم، { قالوا حسبنا الله } أي: كافينا الله وحده، فلا نخاف غيره، { ونعم الوكيل } أي: نعم من يتوكل عليه العبد، وهي كلمة يدفع بها ما يخاف ويكره، وهي الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار، { فانقلبوا } راجيعن من حمراء الأسد، متلبسين { بنعمة من الله } وهي العافية والسلامة، { وفضل } وهي زيادة الإيمان وشدة الإيقان، { لم يمسسهم سوء } من جراحة وكيد عدو، { واتبعوا رضوان الله } ، الذي هو مناط الفوز بخير الدارين، { والله ذو فضل عظيم } ، فقد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان، والتوفيق إلى المبادرة إلى الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو موجب الرضوان. ثم حذَّرهم الحق تعالى ممن ثبّطهم عن اللحوق بالكافر، وهو ركب عبد القيس، تشبيهاً لهم بالشيطان، فقال: { إنما ذلكم الشيطان } يخوفكم أولياءه من المشركين، أو { يخوف أولياءه } القاعدين من المنافقين { فلا تخافوهم } فإن أمرهم بيدي، { وخافوا إن كنتم مؤمنين } فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله على خوف الناس. التفسير الثاني: أن يكون الكلام على غزوة بدر الصغرى،: وذلك أن أبا سفيان لما انصرف من أُحد نادى: يا محمد، موعدنا بدرٌ لقابل، إن شئت، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن شاء الله تعالى " ، فلما كان العام القابل، خرج أبو سفيان من أهل مكة، حتى نزل مرّ الظهران، فأنزل الله الرعب في قلبه، وبدا له أن يرجع، فلقي نُعيم بن مسعود الأشجعي معتمراً، فقال له: ائت المدينة وأعلمهم أنّا في جمع كثير، وثبطهم عن الخروج، ولك عندي عشر من الإبل، فأتى المدينة فأخبرهم، فكره أصحابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم الخروج، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2