الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قلت: الهمزة - للتفريع، و { لَمَّا }: ظرف، خافضة لشرطها، منصوبة بجوابها، وهي معطوفة على محذوف، أي: أكان من كان يوم أحد، ولمّا أصابتكم مصيبة، قلتم ما قلتم، و { قد أصبتم }: جملة حالية. يقول الحقّ جلّ جلاله: أحين { أصابتكم مصيبة } يوم أحد بقتل سبيعن منكم، و { قد أصبتم مثليها } يوم بدر فقتلتم سبعين وأسرتم سبعين، { قلتم أنَّى هذا } أي: من أين أصابنا هذا البلاء وقد وعدنا النصر؟ { قل } لهم: { هو من عند أنفسكم } أي: مما اقترفته أنفسكم من مخالفة المركز، والنصر الموعود كان مشروطاً بالثبات والطاعة، فلما اختل الشرط اختل المشورط، { إن الله على كل شيء قدير } فيقدر على النصر بشرط وبغيره، لكن حكمته اقتضت وجود الأسباب والشروط لأن هذا العلام قائم بين قدرة وحكمة. أو: { قل هو من عند أنفسكم } باختياركم الفداء يوم بدر: رُوِيَ عن عليّ رضي الله عنه قال: جاء جِبْريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال: خيِّرْ أصْحَابَكَ في الأسارى، إن شاءوا القتل، وإن شاءوا الفِدَاء، عَلَى أنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ عاماً مقبلاً مِثْلُهمْ، قالوا: الفِدَاء ويُقْتَلُ مِنَّا. والله تعالى أعلم. الإشارة: إذا أصاب المريد شيء من المصائب والبلايا، فلا يستغرب وقوع ذلك به، ولا يتبرم منه، فإنه في دار المصائب والفجائع، " لا تستغرب وقوع الأكدار ما دُمتَ في هذه الدار، فإنما أبرزت ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها ". وإذا كان أصابته مصيبة في وقت، فقد أصابته نعمٌ جمة في أوقات عديدة، فليشكر الله على ما أولاه، وليصبر على ما ابتلاه، ليكون صباراً شكوراً. قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: العارف هو الذي عرف إساءاته في إحسان الله إليه، وعرف شدائد الزمان في الألطاف الجارية من الله عليه، فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون. وأيضاً: كل ما يصيب المؤمن فمن كسب يده، ويعفو عن كثير. وإن كان المريد وعد بالحفظ والنصر، فقد يكون ذلك بشروط خفيت عليه، فلم تحقق فيه، فيخلف حفظه لينفذ قدر الله فيه،وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } [الأحزاب: 38]. وليتميز الصادق من الكاذب والمخلص من المنافق.