الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قلت: { نعاساً }: بد لمن { أمنة } ، أو هو المفعول، و { أمنة }: حال منه، مقدمة، أو مفعول له، أي: أنزل عليكم نعاساً لأجل الأمنة، أو حال من كاف { عليكم } ، أي: أنزل عليكم حال كونكم آمنين. والأمنة: مصدر أمِن، كالعظَمة والغَلَبة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ثم أنزل عليكم } أيها المؤمنون { من بعد الغم } الذي أصابكم بموت إخوانكم، والإرجاف بقتل نبيكم، الأمن والطمأنينة، حتى أخذكم النعاس وأنتم في الحرب. قال أبو طلحة: غَشينَا النعاسُ ونحن في المصافّ، حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه، ثم يسقط فيأخذه. وقال الزبير رضي الله عنه. لقد رأيتني حين اشتدّ الخوف، ونحن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، أرسل الله - تعالى - علينا النوم، والله إني لأسمع قول معتب، والنعاس يغشاني، ما أسمعه إلا كالحلُم: { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا }. ثم إن هذا النعاس إنما { يغشى طائفة منكم } وهم المؤمنون، أو: هذه الأمنة إنما تغشى طائفة منكم، وأما المنافقون فقد { أهمتهم أنفسهم } ، أي: أوقعتهم في الهموم والغموم، أو ما يهمهم إلا أنفسهم، يُدبرون خلاصها ونجاتها، فقد طارت قلوبهم من الخوف، فلا يتصور في حقهم النوم، { يظنون بالله غير الحق } أي: غير الظن الحق، لأنهم ظنّوا أنه لا ينصر - عليه الصلاة والسلام، وأن أمره مضمحل، أو ظنوا أنه قتل، ظنّاً كظن الجاهلية، أهل الشرك، { يقولون } أي: بعضهم لبعض: { هل لنا من الأمر من شيء } أي: عُزلنا عن تدبر أنفسنا، فلم يبق لنا من الأمر من شيء. قاله ابنُ أُبي، لَما بلغة قتل الخزرج. { قل } لهم يا محمد: { إن الأمر كله لله } ليس بيد غيره شيء من التدبير والاختيار، حال كون المنافقين { يخفون في أنفسهم } من الكفر والنفاق { ما لا يُبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا } أي: لو كان تدبيراً أو اختياراً ما خرجنا سلسلة المقادير، رغماً على أنفكم، فلو { كنتم في بيوتكم } آمنين { لبرز الذين كتب عليهم القتل } ، ووصل أجلهم { إلى مضاجعهم } ومصارعهم، رغماً على أنفهم، فإن الله قدَّر الأمور ودبرها في سابق أزله، لا معقب لحكمه، وإنما فعل ذلك، وأخرجكم إلى المعركة { ليبتلي الله ما في صدوركم } أي: يختبر ما فيها من الخير أو الشر، { وليمحص ما في قلوبكم } أي: يكشف ما فيها من النفاق أو الإخلاص، فقد ظهر خبث سريرتكم ومرض قلوبكم بالنفاق الذي تمكن فيه، { والله عليم بذات الصدور } أي: بخفاياها قبل إظهارها. وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء، وإنما فعل ذلك ليُميِّز المؤمنين ويُظهَر حال المنافقين. قاله البيضاوي. الإشارة: ثم أنزل عليكم أيها الواصلون المتمكنون، أو من تعلق بكم من السائرين.

السابقالتالي
2