الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قلت: الكظم هو: الكف والحبس، تقول: كظمت القربة: إذا ملأتها وسددت رأسها. يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا } وتزيدوا فيها إذا حلَّ الأجل { أضعافاً مضاعفة } ، ولعل التخصيص بحسب الواقع، إذ كان الرجل يَحُلُّ أجلُ دَيْنِهِ، فيقول للمدين: إما أن تقضي وإما أن تزيد، فلا يزال يؤخره ويزيد في دينه حتى يستغرق مال المدين، فنُهوا عن ذلك. ورغبهم في التقوى التي هي غنى الدارين. فقال: { واتقوا الله } فيما نهيتكم عنه، { لعلك تفلحون } في الدارين. ثم خوفهم بالنار إن لم ينتهوا، فقال: { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } ، وفيه إشعار بأن النار موجودة إذ لا يُعدُّ المعدوم، وأنها بالذات معدة للكافرين، وبالعرض للعاصين. قال الورتجبي: في الآية إشارة إلى أن النار لم تعد للمؤمنين، ولم تخلق لهم، ولكن خوفهم بها زجراً وعظة، كالأب البار المشفق على ولده يخوفه بالأسد والسيف، وهو لا يضربه بالسيف، ولا يلقيه إلى الأسد، فهذه الآية تلطف وشفقة على عباده. هـ. { وأطيعوا الله } فيما أمر ونهى، { والرسول } فيما شرع وسَنَّ، { لعلكم ترحمون }. والتعبير بلعل وعيسى في أمثال هذه: دليل على عون التوصل إلى ما جعل طريقاً له. { وسارعوا }: أي: بادروا { إلى مغفر من ربكم } كالإسلام والتوبة والإخلاص، وسائر الطاعات التي توجب المغفرة، وقرأ نافع وابن عامر بغير واو على الاستئناف. وسارعوا أيضاً إلى { جنة عرضها السماوات والأرض } لو وصل بعضها ببعض، وذكر العرض للمباغلة في وصفها بالسعة لأنه دون الطول. قال بعضهم: لم يُرد العَرض الذي هو ضد الطول، وإنما أراد عظمها، ومعناه: كعرض السماوات السبع والأرضين السبع في ظنكم، أي: لا تدرك ببيان. { أُعِدّت } أي: هُيِّئَتْ { للمتقين }. وفيه دليل على أن الجنة مخلوقة، وأنها خارجة عن هذا العالم. ثم وصف أهلها من المتقين بأوصاف الكمال، فقال: { الذين ينفقون في السراء والضراء } أي: في حالتي الرخاء والشدة، وفي الأحوال كلها، كما هي حالة الأسخياء، قال صلى الله عليه وسلم: " الجنَّةُ دَارُ الأسخياءِ " وقال أيضاً: " السَّخيُّ قريب ٌ مِنَ اللهِ، قَرِيبٌ من الجنَّةِ، قَرِيبٌ منَ النَّاس، بعيدً من النَّارِ، والبَخيلُ بَعيدٌ من الله، بَعِيدٌ مِنَ الجَنَّةِ، بَعِيدٌ، مِنَّ النَّاس، قرِيبٌ مِنَ النَّارِ، ولجَاهِلٌ سَخِيٌ أحبُّ إلى اللهِ مِنَ العالمِ البَخِيل " وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: " السّخَاء شَجَرةٌ في الجنة، أغصانُها في الدُّنيا، من تعلق بَغُصنٍ من أغْصَانِها قادَته إلى الجنَّةِ، والبخْلُ شَجرةٌ في النَّارِ، أغصَانُها في الدُّنيا، من تعلق ببعض من أغصانها قَادَته إلى النَّارِ ". { والكاظمين الغيظ } أي: الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه، قال عليه الصلاة والسلام " مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وهُو يَقْدِرُ على إمْضَائِهِ مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ أمْناً وإِيمَاناً ".

السابقالتالي
2 3