الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } * { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { وكذلك } أي: ومثل ذلك الإنزال البديع { أنزلنا إليك الكتاب } مصدقاً لسائر الكتب السماوية وشاهداً عليها، { فالذين آتيناهم الكتاب } التوراة والإنجيل، { يؤمنون به } ، وهم عبد الله بن سلام ومن آمن معه، وأصحاب النجاشي، أو: من تقدم عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، { ومن هؤلاء } ، من أهل مكة، { من يؤمن به } ، أو: فالذي آتيناهم الكتب قبلك يؤمنون به قبل ظهوره، ومن هؤلاء الذين أدركوا زمانك من يؤمن به. وإذا قلنا: إِنّ السورة كلها مكية، يكون إخباراً بغيب تحقق وقوعه، { وما يجحد بآياتنا } ، مع ظهورها وزوال الشبهة عنها، { إلا الكافرون } إلا المتوغلون في الكفر، المصممون عليه، ككعب بن الأشرف وأضرابه، أو كفار قريش، إذا قلنا: الآية مكية. { وما كنت تَتْلوا من قبله } من قبل القرآن { من كتاب ولا تَخُطُّه بيمينك } ، بل كنت أمياً، لم تقرأ ولم تكتب، فظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة والأخبار السالفة، على يد أُمي لم يُعْرَفْ بالقراءة والتعلم، خرق عادة، قاطعة لبغيته. وذكر اليمين، لأن الكتابة، غالباً، تكون به، أي: ما كنت قارئاً كتاباً من الكتب، ولا كَاتِباً { إِذاً لارتابَ المبطلون } أي: لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا: تعلمه، والتقطه من كتب الأقدمين، وكتبه بيده. أو: يقول أهل الكتاب: الذي نجده في كتابنا أُمي لا يكتب ولا يقرأ، وليس به. وسماهم مبطلين، لإنكارهم النبوة، أو: لارتيابهم فيها، مع تواتر حججها ودلائلها. هذا، وكونه صلى الله عليه وسلم أُمياً كَمَالٌ في حقه صلى الله عليه وسلم، مع كونه أمياً أحاط بعلوم الأولين والآخرين، وأخبر بقصص القرون الخالية والأمم الماضية، من غير مدارسة ولا مطالعة، وهو، مع ذلك، يُخبر بما مضى، وبما يأتي إلى قيام الساعة، وسرد علم الأولين والآخرين مما لا يعلم القصة الواحدة منها إلا الفذ من أحبارهم، الذي يقطع عمره في مدارسته وتعلمه، وهذا كله في جاهلية جهلاء، بَعُد فيها العهد بالأنبياء، وبدّل الناس، وغيَّروا في كتب الله تعالى بالزيادة والنقصان، ففضحهم صلى الله عليه وسلم وقرر الشرائع الماضية، فهذا كله كاف في صحة نبوته، فكانت أميته صلى الله عليه وسلم وَصْفَ كمال في حقه، ومعجزةً دالة على نبوته لأنه صلى الله عليه وسلم، مع كونه أُمياً، ظهر عليه من العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، ما يعجز عنه العقول، ولا تُحيط به النقول، مع إحكامه لسياسة الخلق، ومعالجتهم، مع تنوعهم، وتدبير أمر الحروب، وإمامته في كل علم وحكمة. وأيضاً: المقصود من القراءة والكتابة: ما ينتج عنهما من العلم لأنهما آلة، فإذا حصلت الثمرة استغنى عنهما. والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم لم يكتب قط.

السابقالتالي
2