الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { اتْلُ ما أُوحي إليك من الكتابِ } تَنَعُّماً بشهود أسرار معانيه، وبشهود المتكلم به، فتغيب عن كل ما سواه، واستكشافاً لحقائقه، فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه. وقد كان من السلف من يبقى في السورة يكررها أياماً، وفي الآية يرددها ليلة وأكثر، كلما رددها ظهر له معان أُخر. { وأَقِم الصلاةَ } أي: دم على إقامتها، بإتقانها فعلاً وحضوراً وخشوعاً، { إن الصلاةَ تنهى عن الفحشاء } الفعلة القبيحة كالزنى، والشرب، ونحوهما، { والمنكرِ } ، وهو ما يُنكره الشرع والعقل. ولا شك أن الصلاة، إذا صحبها الخشوع والهيبة في الباطن، والإتقان في الظاهر، نهت صاحبها عن المنكر، لا محالة، وإلا فلا. رُوي أن فتًى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله الصلوات، ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ركبه، فَوُصِفَ حَالُهُ له صلى الله عليه وسلم فقال: " إن صلاته تنهاه " ، فلم يلبث أن تاب. هـ. وأما من كان يصليها فلم تنهه فهو دليل عدم قبولها، ففي الحديث: " من لمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عن الفحشاء والمنكر لم يَزْدَدْ من الله إلا بُعْداً " رواه الطبراني. وقال الحسن: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست بصلاة، وهي بال عليه. وقال ابن عوف: إن الصلاة تنهى إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر. هـ. فخص النهي بكونه ما دام فيها، وعليه حَمَلَهُ المَحلِّي. قال المحشي: يعني: أن مِنْ شأنها ذلك، وإن لم يحصل ذلك فلا تخرج عن كونها صلاة، كما أن من شأن الإيمان التوكل، وإن قدر أن أحداً من المؤمنين لا يتوكل فلا يخرج ذلك عن الإيمان. وقيل: الصلاة الحقيقية: ما تكون لصاحبها ناهيةً عن ذلك، وإن لم ينته فالصلاةُ ناهيةٌ على معنى: ورود الزواجر على قلبه، ولكنه أصر ولم يطع. ويقال: بل الصلاة الحقيقية ما تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فإن كان، وإلا فصورة الصلاة لا حقيقتها. انظر القيشيري. وقال ابن عطية: إذا وقعت على ما ينبغي من الخشوع، والإخبات لذكر عظمة الله، والوقوف بين يديه، انتهى عن الفحشاء والمنكر، وأما مَنْ كانت صلاته لا ذكر فيها ولا خشوع، فتلك تترك صاحبها بمنزلته حيث كان. هـ. فائدة: ذكر في اللباب أن أول من صلى الصبح آدم عليه السلام، لأنه لم يكن رأى ظلمة قط، فلما نزل، وجنَّه الليل خرّ مغشياً، فلما أصبح ورأى النور صلى ركعتين، شكراً. وأول من صلى الظهر إبراهيم، لما فدى ولده، وقد كان نزل به أربعة أهوال، هم الذبح وهم الولد، وهم والدته، وهم مرضاة الرب، فصلى أربع ركعات، شكراً لله تعالى.

السابقالتالي
2 3