الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قلت: { مودَّةَ بينكم }: مَنْ نَصَبَها: فله وجهان أحدهما: على التعليل، أي لتوادوا بينكم، والمفعول الثاني محذوف، أي: اتخذتم أوثاناً آلهة. والثاني على المفعول الثاني لاتخذتم، كقوله:اتخذ آلهه هواه } [الفرقان: 43]. وما: كافة، أي: اتخذتم الأوثان سَبَبَ المودَّةِ على حَذْفِ مضاف، أو: اتخذتموها مَوْدُودَةً بينكم. وبينكم: نصب على الظرفية نعت لمودة، أي: حاصلة بينكم. ومن رفع: فله وجهان إما خبر إن، وما موصولة، أو: عن مبتدأ محذوف، أي: هي مودة بينكم، وبينكم: مضاف إليه ما قبله. يقول الحق جل جلاله: { فما كان جوابَ قومه } قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الله { إلا أن قالوا اقتلوه أو حَرِّقوه } ، قاله بعضهم لبعض، أو: قاله واحد منهم، وكان الباقون راضين، فكانوا جميعاً في الحكم القائلين. فاتفقوا على تحريقه، { فأنجاه الله من النار } حين قذفوه فيها بأن جعلها برداً وسلاماً. وتقدم في الأنبياء تمام القصة. { إن في ذلك } فيما فعلوه به وفعلناه { لآياتٍ } دالةً على عظم قدرته { لقوم يؤمنون } لأنهم المنتفعون بالفصح عنها والتأمل فيها. رُوي أنه لم ينتفع بها في تلك الأيام أحد لذهاب حرها لأن كل نار سمعت الخطاب فامتثلت. { وقال } إبراهيمُ لقومه: { إِنما اتخذتم من دون الله أوثاناً } أصناماً آلهة { مودَّةَ بينكم في الحياة الدنيا } أي: لتوادوا بينكم في الحياة الدنيا، وتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها، واتفاقكم عليها كما تتفق الناس على مذهب أو طريق، فيكون ذلك سبب تحابهم. أو: إنما اتخذتم الأوثان سبب المودة، أو اتخذتموها مودودة ومحبوبة بينكم، أو: إن التي اتخذتموها أوثاناً تعبدونها هي مودة بينكم في الدنيا، { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض } أي: تتبرأ الأصنام من عابديها كقوله:ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [الزخرف: 67]. { ويلعن بعضُكم بعضاً } ، فتلعن الأتباعُ الرؤساء: { ومأواكم النار } أي: مأوى العابد والمعبود والتابع والمتبوع. { وما لكم من ناصرين } يحصنونكم منها. الإشارة: الإنكار على أهل الخصوصية سنَّة الله في خلقه، فلا يأنف منها إلا جاهل، والاجتماع على التودد على غير ذكر الله ومحبته وما يقرب إليه، كله يؤدي إلى التباغض والتلاعن يوم القيامة { الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } ، وهم المتحابون في الله، والمجتمعون على ذكر الله والعلم به. والله تعالى أعلم.