الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قلت: ولا يصدنك: مجزوم بحذف النون، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين، حين دخلت نون التوكيد. يقول الحق جل جلاله: لرسوله صلى الله عليه وسلم { إن الذي فَرَضَ عليك القرآن } أي: أوجب عليك تلاوته وتبليغه، والعمل بما فيه، { لرادُّك إلى معاد } عظيم، وهو المعاد الجسماني لتقوم المقام المحمود، الذي لا يقوم فيه أحد غيرك، مع حضور الأكابر من الرسل وغيرهم. أو: لرادك إلى معادك الأول، وهو مكة، وكان عليه الصلاة والسلام اشتاق إليها لأنها مولده ومولد آبائه، وقد ردّه إليها يوم الفتح، وإنما نكَّره لأنه كان في ذلك اليوم معاد له شأن، ومرجع له اعتداد لغلبته - عليه الصلاة والسلام - ونصره، وقهره لأعدائه، ولظهور عز الإسلام وأهله، وذل الشرك وحزبه. والسورة مكية، لكن هذه الآية نزلت بالجُحْفَةِ، لا بمكة ولا بالمدينة، وفي الآية وعد بالنصر، وأن العاقبة الحسنة والخير الجسيم للنبي صلى الله عليه وسلم لا يختص بالآخرة، بل يكون في الدنيا له ولمتَّبِعيهِ، ولكن بعد الابتلاء والامتحان، كما في صدر السورة الآتية بعدها، وبهذا يقع التناسب بينهما، فإنها كالتعليل لِمَا قبلها. ولما وعده بالنصر قال له: قل ربي أعلم من جاء بالهُدى أي: يعلم مَنْ جاء بالحق، يعني نَفْسَهْ صلى الله عليه وسلم مع ما يستحقه من النصر والثواب، في معاده، { ومن هو في ضلال مبين } وهم المشركون، مع ما يستحقونه من العقاب في معادهم. { وما كنتَ ترجو أن يُلقى } يوحي { إليك الكتابُ } أي: القرآن، فكما ألقى إليك الكتاب، وما كنت ترجوه كذلك يردك إلى معادك الأول، من غير أن تَرْجُوَهُ، { إلا من رحمةً من ربك } ، لكن ألقاه إليك، رحمة منه إليك، ويجوز أن يكون استثناء محمولاً على المعنى كأنه قال: وما أُلْقِيَ إليك الكتاب إلا رحمة من ربك { فلا تكونن ظهيراً } معيناً { للكافرين } على دينهم بمُداراتهم والتحمل عنهم، والإجابة إلى طلبتهم. { ولا يَصُدُّنَّك عن آيات الله } أي: لا يمنعك هؤلاء عن العمل بآيات الله وتبليغها وإظهارها، { بعد إذ أُنزلت إليك } أي: بعد وقت إنزالها، و { إذ }: مضاف إليه أسماء الزمان، كقولك: حينئذٍ ويَومَئذٍ. { وادعُ إلى ربك } إلى توحيده وعبادته، { ولا تكونن من المشركين } ، نهاه، تنفيراً لغيره من الشرك. { ولا تَدْعُ مع الله إلهاً آخر } ، قال ابن عباس رضي الله عنه: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أَهْلُ دينه. قال البيضاوي. وهذا وما قبله تهييج، وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم، { لا إله إلا هو }: استئناف، مقرر لِمَا قبله، { كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وَجْهَهُ } أي: ذاته، فالوجه يُعَبِّرُ به عن الذات، أي: لكل شيء فانٍ مستهلك معدوم، إلا ذاته المقدسة، فإنها موجودة باقية.

السابقالتالي
2