الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } * { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } * { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ }

قلت: في زينته: حال، { ويْكَأنه }: مذهب الخليل وسيبويه: أن " وي ": حرف تنبيه منفصلة عن كَأَنَ، لكن أضيفت لكثرة الاستعمال. وقال أبو حاتم وجماعة: " ويك " هي " ويلك " حذفت اللام منها لكثرة الاستعمال. وقالت فرقة: " ويكأن " بجملتها كلمة. قاله الثعلبي، وقال البيضاوي: ويكأن، عند البصريين، مركب من " وي " للتعجب، و " كأن " ، للتشبيه. هـ. وقال سيبويه: " وي ": كلمة تنبيه على الخطأ وتَنَدُّمٍ، يستعملها النادم لإظهار ندامته. يقول الحق جل جلاله: { فخرج } قارونُ { على قومه في زينته } ، قال جابر: كانت زينته القرمز، وهو صبغ أحمر معروف. قيل: إنه خرج في الحمرة والصفرة، وقيل: خرج يوم السبت على بغلة شهباء، عليها الأرْجُوان، وعليها سرج من ذهب، ومعه أربعة آلاف على زيه، وقيل: عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر، وعن يمينه ثلاثمائة غلام، وعن يساره ثلاثمائة جارية بيض، عليهن الحليّ والديباج. { قال الذين يُريدون الحياةَ الدنيا } ، قيل: كانوا مسلمين، وإنما تمنوا، على سبيل الرغبة في اليسار، كعادة البشر، وقيل: كانوا كفاراً، ويرده قوله: { لولا أن مَنّ الله علينا.. } إلخ. { يا ليت لنا مِثْلَ ما أُوتي قارونُ } من المال والجاه، قالوه غِبْطَةً. والغابط هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه، من غير أن تزول عنه، والحاسد هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له، دونه. وهو كقوله تعالى:وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [النساء:32]، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضر الغبطة؟ فقال: " لا... " الحديث. { إنه لذو حظٍ عظيم } من الدنيا، والحظ: الجَدُّ، وهو البخت والدولة. { وقال الذين أُوتوا العلمَ } بالثواب والعقاب وفناء الدنيا، أو: أتوا العلم بالله، فيؤخذ منه: أن متمني الدنيا جاهل ولو كان أعلم الناس إذ لا يتمناها إلا المحب لها، وهي رأس الفتنة. فأيّ علم يبقى مع فتنة الدنيا؟! قالوا في وعظهم لغابطي قارون: { وَيْلَكُمْ } هلاكاً لكم، فأصل ويلك: الدعاء بالهلاك، ثم استعمل في الزجر والردع على ترك ما لا يرضى. وقال في التبيان في إعراب القرآن: هو مفعول بفعل محذوف، أي: ألزمتكم الله ويلكم، { ثوابُ الله } في الآخرة، { خير لمن آمن وعَمِلَ صالحاً } مما أوتي قارون، بل من الدنيا وما فيها، { ولا يُلقَّاها } أي: لا يلقى هذه الكلمة التي تكلم بها العلماء، وهي ثواب الله خير، { إلا الصابرون }. أو: لا يلقى هذه القوة والعزيمة في الدين إلا الصابرون على الطاعات وعن الشهوات وزينة الدنيا. وفي حديث الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك اللباس - أي: الفاخر - تواضعاً لله تعالى، وهو يَقْدِرُ عليه، دعاهُ الله على رؤوس الخلائق، حتى يُخَيِّره من أي حُلل الإيمانِ شاء يَلْبَسُهَا "

السابقالتالي
2 3