الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قلت: " قارون ": غير مصروف للعجمة والتعريف، ولو كان " فاعولاً " من قرنت الشيء، لا نصرف لخروجه عن العجمة. { إذ قال }: ظرف لبَغَى أي: طغى حين وُعِظ، ولم يقبل ما وُعظ به، أو: يتعلق بمقدر، أي: أظهر التفاخر بالمال حين قال له قومه: لا تفرح. و " ما ": موصولة، و " إنَّ مفاتحه ": صلته، ولذلك كسرت. يقول الحق جل جلاله: { إنَّ قارون كان من قوم موسى } كان إسرائيلياً، ابن عم لموسى وابن خالته، فهو قارون بن يصهر بن قَاهَث بن لاوي بن يعقوب، وموسى بن عمران بن قاهَث. وكان يسمى " المنور " لحُسن صورته وكان آمن بموسى، وكان أحفظ الناس للتوراة، ولكنه نافق كما نافق السامري. { فَبَغَى عليهم } ، من البغي، أي: الظلم: قيل: ملَّكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم. أو: من البغي، أي: الكبر، أي: تكبر عليهم بكثرة ماله وولده، وزاد عليهم في الثياب شبراً، فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت يده. { وآتيناه من الكنوز ما } الذي { إنَّ مفاتِحَه } جمع مِفتح، بمعنى المقَلد، أي: إن مقاليده { لَتَنُوءُ } أي: تثقل { بالعُصْبَةِ } ، الباء للتعدية، يقال: ناء به الحمل: أثقله حتى أماله. والعصبة: الجماعة الكثيرة، وكانت مفاتح خزائنه وقرَ ستين بغلاً، لكل خزانة مفتاح، ولا يزيد المفتاح على إصبع. وكانت من جلود، أي: مغاليقها. وقيل: معنى تنوء: تنهض بِتَكَلُّفِ، ويكون حينئذٍ في الكلام قلب إذ العصبة هي التي تنوء بالمفاتيح، لا العكس، قيل: وسميت أمواله كنوزاً لأنه كان لايؤدي زكاتها، وبسبب ذلك عادى موسى أول عداوته. { إذْ قال له قومُه لا تفرح } لا تبطر بكثرة المال فرَح إعجاب لأنه يقود إلى الطغيان. أو: لا تفرح بالدنيا إذ لا يفرح بها إلا من لا عقل له، { إن الله لا يُحب الفَرِحِين: } البطرين المفتخرين بالمال، أو: الفرحين بزخارف الدنيا، من حيث حصول حظوظهم وشهواتهم فيها. قال البيضاوي: الفرح بالدنيا مذموم مطلقاً لأنه نتيجة حبها والرضا بها، والذهول عن ذهابها، قإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارق لا محالة، يوجب التوخي لا محالة، كما قيل:
أَشَدُّ الغَمِّ عِنْدِي في سُرورٍ تَيَقّن عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالاَ   
{ وابتغِ فيما آتاك الله } من المال والثروة { الدارَ الآخرة } بأن تتصدق على الفقراء تصل الرحم، وتصرفه في أنواع الخير، { ولا تنس نصيبَكَ من الدنيا } ، وهو أن تأخذ ما يكفيك ويصلحك. وقيل: معناه: واطلب بدنياك آخرتك فإن ذلك حظ المؤمن منها لأنها مزرعة الآخرة، فيها تكتسب الحسنات وترفع الدرجات، أي: لا تنس نصيبك منها أن تقدمه للآخرة، { وأحسنْ } إلى عباد الله { كما أحسن الله إليك } فيما أنعم به عليك: أو: أحسن بشكرك وطاعتك لخالق الأنام كما أحسن إليك بسوابغ الإنعام.

السابقالتالي
2