الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } * { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قلت: لولا الأولى: امتناعية، وجوابها محذوف، اي: ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا على ما قدّموا من الشرك محتجين علينا: هلا أرسلت إلينا رسولاً... إلخ لَمَا أرسلناك. يقول الحق جل جلاله: { ولولا أن تصيبهم مصيبة } ، أي: عقوبة في الدنيا والآخرة، { بما } بسبب ما { قدمت أيديهم } من الكفر والظلم، ولمّا كانت أكثر الأعمال إنما تناول بالأيدي، نسب الأعمال إلى الأيدي، وإن كانت من أعمال القلوب تغليباً للأكثر على الأقل، { فيقولوا } عند نزول العذاب: { ربنا لولا } هلا { أرسلت إلينا رسولاً } يُنذرنا { فنتَّبع آياتك ونكونَ من المؤمنين } ، فلولا احتجاجهم بذلك علينا لَمَا أرسلناك، فسبب الإرسال هو قولهم: هلا أرسلت... إلخ. ولما كانت العقوبة سبباً للقول جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال، فدخلت " لولا " الامتناعية عليها، فرجع المعنى إلى قولك: ولولا قولهم هذا، إذا أصابتهم مصيبة، لما أرسلناك. { فَلَمَّا جاءهم الحق من عندنا } القرآن المعجز، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، { قالوا } أي: كفار مكة اقتراحاً وتعنتاً: { لولا }: هلا { أُوتي } من المعجزات { مثل ما أُوتي } أُعطي { موسى } من اليد والعصا، ومن الكتاب المنزل جملة. قال تعالى: { أوَ لَمْ يكفروا } أي: أبناء جنسهم، ومَنْ مَذهبهم على مذهبهم، وعنادهم مثل عنادهم، وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام، فقد كفروا { بما أُوتي موسى من قبلُ } من قبل القرآن، { قالوا } في موسى وهارون: { ساحران تظاهرا }: تعاونا، أو: في موسى ومحمد - عليهما السلام - بإظهار تلك الخوارق، أو بتوافق الكتابين. وقرأ الكوفيون: " سِحْران " بتقدير مضاف، أي: ذوَا سحر، أو: جعلوهما سحريْن مبالغة في وصفهما بالسحر. { وقالوا } أي: كفرة موسى وكفرة محمد صلى الله عليه وسلم: { إِنا بكلِّ } بكل واحد منهما { كافرون }. وقيل أن أهل مكة، لمّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فقد كفروا بموسى وبالتوراة، وقالوا في محمد صلى الله عليه وسلم وموسى: ساحران تظاهرا، أو في التوراة والقرآن: سحران تظاهرا، أو: ذلك حين بَعَثُوا الرهط إلى رؤساء اليهود يسألونهم عن محمد، فأخبروهم أنه في كتابهم فرجع الرهط إلى قريش، فأخبروهم بقول اليهود، فقالوا عند ذلك: { ساحران تظاهرا إنا بكل كافرون }. { قلْ } لهم: { فأتوا بكتابٍ من عند الله هو أهدى منهما } مما أنزل على موسى، وما أنزل عليَّ، { أتَّبِعُه }: جواب: فأتوا، { إن كنتم صادقين } في أنهما ساحران، { فإِن لم يستجيبوا لك } دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى، { فاعلم أنما يتبعون أهواءهم } الزائغة، ولم تبق لهم حجة إلا اتباع الهوى، { وَمَنْ أضلُّ ممن اتبع هواه بغير هُدى من الله } أي: لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه بغير هدى، أي: بغير اتباع شريعة من عند الله.

السابقالتالي
2