الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

يقول الحق جل جلاله: { فلما قضى موسى الأجلَ } ، قال صلى الله عليه وسلم: " قضى أبعدهما وأطيبهما " ، وفي رواية: " أبرهما وأوفاهما " { وسارَ بأهله } أي: امرأته، نحو مصر، قال مجاهد: ثم استأذن موسى أن يزور أهله بمصر، فأذن له، فسار بأهله إلى البَرِّيَّةِ، فأوى إلى جانب الطور الغربي الأيمن، في ليلة مظلمة شديدة البرد، وكان أخذ على غير طريق، يخاف ملوك الشام - قلت: ولعلهم كانوا من تحت يد قرعون - فأخذ امْرَأَتَهُ الطَّلقُ، فقدح زنده، فلم يور، فآنس من جانب الطور ناراً. هـ. وقال ابن عطاء: لما تم أجل المحنة، ودنت أيام الزلفة، وظهرت أنوار النبوة، سار بأهله ليشتركوا معه في لطائف صنع ربه. هـ. { آنس } أي: أبصر { من جانب الطُور } أي: من الجهة التي تِلْوَ الطورِ { ناراً قال لأهله امكثوا إني آنستُ ناراً لعلي آتيكم منها بخبر } عن الطريق لأنه كان ضل عنها، { أو جذوة من النار } أي: قطعة وشُعلة منها، والجُذوة - مثلثة الجيم: العُود الذي احترق بعضه، وجمعه: " جِذّى ". { لعلكم تصطلون } تستدفئون بها. والاصطلاء على النار سُنَّة المتواضعين. وفي بعض الأخبار: " اصطلوا فإن الجبابرة لا يصطلون ". { فلما أتاها نُودي من شاطىء الوادِ الأيمنِ } بالنسبة إلى موسى، أي: عين يمين موسى، { في البقعة المباركةِ } بتكليم الله تعالى فيها، { من الشجرة } بدل من " شاطىء ": بَدَلَ اشتمالٍ أي: من ناحية الشجرة، وهو العنَّاب، او العوسج، أو: سمرة. وقال وهب: عُليقاً. { أن يا موسى }. أي: يا موسى، أو: إنه يا موسى { إني أنا الله ربُّ العالمين } ، قال البيضاوي: هذا، وإن خالف ما في " طه " و " النمل " لفظاً، فهو طبْقُهُ في المقصود. هـ. قال جعفر الصادق: أبصر ناراً، دلته على الأنوار لأنه رأى النور على هيئة النار، فلما دنا منها شملته أنوار القدس، وأحاطت به جلابيب الأنس، فخاطبه الله بألطف خطاب، واستدعى منه أحسن جواب، فصار بذلك مُكَلَّماً شريفاً، أُعْطِيَ ما سأل، وأمن ممن خاف. هـ. قال القشيري: فكان موسى عند الشجرة، والنداء من الله لا منها، وقد حصل الإجماع أن موسى، تلك الليلة، سمع كلام الله، ولو كان النداء من الشجرة لكانت المتكلمة هي، فلأجل الإجماع قلنا: لم يكن النداء منها، وإلا فنحن نجوز أن يخلق الله نداء في الشجرة. هـ. قلت: وسيأتي في الإشارة ما لأهل التوحيد الخاص، وما قاله - هو مذهب أهل الظاهر. ثم قال تعالى: { وأن أَلْق عَصَاكَ } ، أي: نودي: أن ألق عصاك، فألقاها، فقلبها الله ثعباناً، { فلما رآها تهتزُّ } تتحرك { كأنها جانٌّ } حية رقيقة.

السابقالتالي
2