الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

قلت: تمشي: حال من إحداهما، و على استحياء: حال من ضمير تمشي، أي: تمشي مستحيية. والقصص: مصدر، سُمِّيَ به المقصوص. يقول الحق جل جلاله: { فجاءته إحداهما } وهي التي تزوجها، وذلك أنه لما سقى لهما رجعا إلى أبيهما بغنمها بِطاناً حُفَّلاً، فقال لهما: ما أعجلكما؟ فقالتا له: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا أغنامنا، فقال لإحداهما: أدعيه، فجاءته { تمشي على استحياء } قد سترت وجهها بكفها، واستترت بكُمِّ درعها. وهذا دليل على كمال إيمانها وشرف عنصرها لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها، ولم تعلم أيجيبها أم لا؟ فقالت: { إن أبي يدعوك ليجزيك أجرَ ما سَقيت لنا } ، " ما " مصدرية، أي: أجر سُقْيَاك لنا، فتبعها موسى، فألزقت الريح ثوبها بجسدها، فوصفته، فقال لها: امشي خلفي، وانعتي الطريق، فإننا بَني يعقوب، لا ننظر إلى أعجاز النساء. { فلما جاءه وقصَّ عليه القَصص } ، أي: قصته وأحواله مع فرعون، وكيف أراد قَتْلَهُ، { قال } له: { لا تخفْ نجوتَ من القوم الظالمين } فرعون وقومه إذ لا سلطان له على أرضنا - مدين -، أو: قَبِلَ الله دعاءك في قولك: { رب نجني من القوم الظالمين }. وفيه دليل على العمل بخير الواحد، ولو أنثى، والمشي مع أجنبية على ذلك الاحتياط والتورع. قاله النسفي. وفيه نظر لعصمة الأنبياء - عليهم السلام -، وما أخذ الأجر على البر والمعروف فقيل: لا بأس به عند الحاجة، كما كان لموسى عليه السلام، على أنه رُوي أنه لمّا قالت له: { ليجزيك } كره ذلك. وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها لأن للقاصد حرمة. ولما وضع شعيب الطعام بين يديه امتنع، فقال شعيب: ألست جائعاً؟ فقال: بلى، ولكن أخاف أن يكون عوضاً مما سَقَيْتُ لهما، وإنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا، ولا نأخذ على المعروف شيئاً، فقال شعيب: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا، فأكل. { قالت إحداهما يا أبَتِ استأجرْهُ } ، أي: اتخذه أجيراً لرعي الغنم. رُوي أن كبراهما كانت تسمى: " صفراء " ، والصغرى: " صفيراء " ، وقيل: " صابورة " و " ليا ". وصفراء هي التي ذهبت به، وطلبت إلى أبيها أن يستأجره، وهي التي تزوجها. قاله وهب بن منبه وغيره فانظره مع ما في حديث، قال صلى الله عليه وسلم: " تزوج صغراهما، وقضى أوفاهما " ويمكن الجمع بأن يكون زوّجه إحداهما ثم نقله إلى الأخرى. ثم قالت التي طلبت استئجاره: { إن خيرَ من استأجرت القويُّ الأمين } ، فقال: ما أَعْلَمَكِ بقوته وأمانته؟ فذكرت نزع الدلو، أو رفع الحجر عن البئر، وأمْرها بالمشي خلفه. وفي رواية عند الثعلبي. أما قوته: فإنه عمد إلى صخرة لا يرفعها إلا أربعون رجلاً، فرفعها عن فم البئر.

السابقالتالي
2 3