الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } * { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } * { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { و } اذكر { يومَ يُنفَخُ فِي الصُّور } ، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل - عليه السلام - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لما فرغ الله تعالى من خلق السموات والأرض، خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص بصره إلى العرش، حتى يؤمر، قال: قلت: كيف هو؟ قال: عظيم، والذي نفسي بيده إن أعظم دارة فيه كعرض السموات والأرض " وفي حديث آخر: " فيه ثقب بعدد كل روح مخلوقة، فيأمر بالنفخ فيه، فينخ نفخة، لا يبقى عندها في الحياة أحد، غير من شاء الله تعالى وذلك قوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [الزمر: 68]، ثم يؤمر بأخرى، فينفخ نفخة لا يبقى معها ميت إلا بُعث " وفي رواية: " فينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح، كأنها النحل، فتملأ ما بين السماء والأرض، وتأتي كل روح إلى جسدها، كما تأتي النحل إلى وكرها. وذلك قوله تعالى: { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68] ". قال أبو السعود: والذي يستدعيه النظم الكريم أن المراد بالنفخ ها هنا: النفخة الثانية، وفي الفزع في قوله تعالى: { ففزع من في السماوات ومن في الأرض } ما يعتري الكل عند البعث والنشور، بمشاهدة الأمور الهائلة، الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق، من الرعب والتهيب، الضروريين، الجبلين في كل نفس. وإيراد صيغة الماضي مع كون المعطوف عليه مضارعاً للدلالة على تحقيق وقوعه. هـ. وظاهره أن النفخ مرتان فقط، واعتمده القرطبي وغيره، وصحح ابن عطية أنها ثلاث، ورُوي ذلك عن أبي هريرة: نفخة الفزع وهي فزع حياة الدنيا، وليس بالفزع الأكبر، ونفخة الصعق، ونفخة القيام من القبور. وقوله: { إلا من شاء الله } أي: ألاَّ يفزع، وهو من ثبّت الله قلبه، فإن قلنا: المراد بها النفخة الثانية، فالمستثنى: هم من سبقت لهم الحسنى، بدليل قوله:لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103] وإن قلنا: هي نفخة الصعق، فالمستثنى: قيل: هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، لكن يموتون بعد صعق الخلق. وقيل: الحور وحَملةُ العرش، وإن قلنا: المراد نفخة الفزع في الدنيا، فالمستثنى: أرواح الأنبياء والأولياء والشهداء والملائكة. ثم قال تعالى: { وكلٌّ أَتَوْهُ } بصيغة الماضي، أي: وكل واحد من المبعوثين عند النفخة حضروه في موقف الحساب، بين يدي الله جل جلاله، والسؤال والجواب: أو: وكل حاضروه، على قراءة إسم الفاعل، وأصله: آتيوه، حال كونهم { داخرين }: صاغرين أذلاء. { وترى الجبالَ } حال الدنيا { تحسبُها جامدةً } واقفة ممسّكة عن الحركة، من: جمد في مكانه: إذا لم يبرح.

السابقالتالي
2 3 4