الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { وإذا وقع القولُ عليهم } أي: وقع مصداق القول الناطق بمجيء الساعة، بأن قَرُب إتيانها، وظهرت أشراطها، فأراد بالوقوع: دنوه واقترابه، كقوله:أَتَىَٰ أَمْرُ ٱللهِ... } [النحل: 1] رُوي أن ذلك حين ينقطع الخير، ولا يُؤمر بمعروف ولا يُنهى عن منكر، ولا يبقى منيب ولا تائب. و " وقع ": عبارة عن الثبوت واللزوم، وهذا بمنزلة:حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } [الزمر: 19] أي: وإذا انتجز وعد عذابهم التي تضمنه القول الأزلي، وأراد أن ينفذ في الكافرين سابق علمه لهم من العذاب، أخرج لهم دابة من الأرض. وفي الحديث: " إن الدابة، وطلوع الشمس من المغرب، من أول الأشراط ". فلا ينبغي لهؤلاء الكفرة ترك الإيمان حيث ينفعهم، ويتطلبون وقوع الساعة الموعود بها، التي لا ينفع الإيمان لمن لم يكن آمن، مع ظهور مقدماتها، فضلاً عنها. فإذا وقع الوعد وَسَمَت الدابة مَن لم يؤمن بِسمة الكفر، وكان ذلك طبعاً وختماً، فلا يقبل منه إيمان، ويقال له: أيها الكافر لم تؤمن بالآيات غيباً، فلا يقبل منك بعد رؤيتها عيناً وهذا معنى قوله: { أخرجنا لهم دابةً من الأرض } ، وهي الجساسة، طولها ستون ذراعاً، لا يدركها طالبٌ، ولا يفوتها هاربٌ، لها أربع قوائم، وزغب، وريش، وجناحان. وقيل: لها رأس ثور، وعين خنزير، وأذن فيل، وقرن أيّل، وعنق نعامة، وصدر أسد، ولون نمر، وخاصرة هرّة، وذنب كبش، وخف بعير، وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعاً، تخرج من الصفا فتكلّمهم بالعربية فتقول { أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } أي: بخروجي لأن خروجها من الآيات، وتقول: ألا لعنة الله على الظالمين. وفي حديث حذيفة رضي الله عنه: " تأتي الدابة المؤمن، فتُسلم عليه، وتأتي الكافر فتخطه - أي تسمه - في وجهه ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تَخْرُجُ الدَّابةُ مَعها خاتمُ سُليمانَ، وعَصا مُوسى، فتَجْلُو وَجْهَ المُؤمِن، وَتَخْتُم أنْفَ الكافِر بالخاتَم ختَّى أَنَّ أَهْلَ الحِواء مجْتَمِعُون فيقول: هاها يا مُؤمْن ويقول: هاها يا كافِرُ " وهي بعد نزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها. والله تعالى أعلم. الإشارة: وإذا وقع القول على قوم بإسدال الحجاب، وإدامة غلق الباب، أخرج لهم جاهل بالله، يكلمهم بادعاء التربية، فيأخذون عنه، ويقتدون به. قال في المباحث:
واعلم بأن عُصبة الجُهال بهائم في صور الرجال   
فالجاهد بالله دابة في الأرض: أنَّ الناس كانوا بآياتنا الدالة علينا - وهم العلماء بالله، أهل الشهود والعيان - لا يُوقنون بوجودهم، ولا يعرفون وجود الخصوصية عندهم. فإذا أراد الله تعب عبد، وإبقاءه في غم الحجاب، ألقاه إلى شيخ جاهل بالله، أو: إلى ميت يتخذه شيخاً، ويفنى محبته، فلا يرجى فلاحه في طريق الخصوصية، ما دام مقيداً به، فإن تركه واقتدى بالعارف الحي، فقد هيأه لرفع الحجاب. وبالله التوفيق. ثم ذكر قيام الساعة، بعد ذكر بعض أشراطها، فقال: { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ... }