الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ }

قلت: ولوط: عطف على صالحا داخل معه في القسم، أي: ولقد أرسلنا صالحاً ولوطاً. وإذ قال: ظرف للإرسال، أو: منصوب باذكر، وإذ قال: بدل من لوط. يقول الحق جل جلاله: { و } لقد أرسلنا { لوطاً } ، أو: واذكر لوطاً { إِذْ قال لقومه } أي: وقت قوله لهم: { أتأتونَ الفاحشةَ } أي: الفعلة المتناهية في الفُحش والسماجة، { وأنتم تبصرون } أي: الحالة أنكم تعلمون علماً يقينياً أنها فاحشة، لم تُسبَقوا إليها. والجملة الحالية تفيد تأكيد الإنكار، فإنَّ تعاطيَ القبيح من العالم بقُبحه أقبح وأشنع، ولذلك ورد في الخبر: " أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامةِ عَالِمٌ لم ينْفَعْهُ الله بعلْمِه ". وقال الفخر: لا تصدر المعصية من العالم قط وهو عالم، وحين صدورها منه هو جاهل لأنه رجح المرجوح وترجيح المرجوح جهل، ولذلك قال: { بل أنتم قوم تجهلون }. هـ. وفي الحديث: " لا يَزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " إذ لو صدّق بإطلاع الحق عليه ما قدر على الزنى، لكنه جهل ذلك. و { تُبصرون } ، من: بصر القلب. وقيل: يُبصر بعضُكم بعضاً لأنهم كانوا يرتكبونها في ناديهم، معلنين بها، لا يستتر بعضهم من بعض، مَجانةً وانهماكاً في المعصية، أو: تُبصرون آثار العصاة قبلكم، وما نزل بهم. { أئنكم لتَأْتون الرجالَ شهوةً } أي: للشهوة { من دون النساء } أي: إن الله تعالى إنما خلق الأنثى للذكر، ولم يخلق الذكر للذكر، ولا الأنثى للأنثى، فهي مضادة للهِ تعالى في حكمته، فلذلك كانت أشنع المعاصي، { بل أنتم قوم تجهلون } تفعلون فعل الجاهلين بقُبحها، أو: تجهلون العاقبة. أو: بمعنى السفاهة والمجون، أي: بل أنتم سُفهاء ماجنون. والتاء فيه - مع كونه صفة لقوم لكونهم في حيز الخطاب. وكذا قوله:بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } [النمل: 47]، غلّب الخطاب على الغيبة. قال ابن عرفة: " بل " للانتقال، والانتقال في باب الذم إنما يكون عن أمر خفيف إلى ما هو أشد منه، وتقرير الأشدّية هنا: أن المضروب عنه راجع للقوة الحسية العملية، وهي منقطعة تنقضي بانقضاء ذلك الفعل والثاني راجع للقوة العلمية وهي دائمة لأن العلم بالشيء دائم، والعمل به منقطع غير دائم. هـ. { فما كان جوابَ قومه } حين نهاهم عن تلك الفاحشة ودعاهم إلى الله، { إلا أن قالوا أَخْرِجوا آلَ لوط } أي: لوطاً ومتبعيه { من قريتكم إنهم أُناس يتطهرون } يتنزهون عن أفعالنا، أو: عن القاذورات، ويعدون فعلنا قذراً. وعن ابن عباس: إنه استهزاء، كقوله:إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } [هود: 87]. { فأنجيناه }: فخلّصناه من العذاب الواقع بالقوم، { وأهلَه إلا امرأتَه قدرناها } بالتشديد والتخفيف، أي: قدرنا أنها { من الغابرين } الباقين في العذاب. { وأمطرنا عليهم مطراً } غير معهود حجارة مكتوب عليها اسم صاحبها، { فساءَ }: قَبُحَ { مطرُ المنذَرِينَ } الذين لم يقبلوا الإنذار.

السابقالتالي
2