ولما أرادت بلقيس الخروج إلى سليمان، جعلت عرشها آخر سبعة أبيات، وغلّقت الأبواب، وجعلت عليه حُراساً يحفظونه، وبعثت إلى سليمان: إني قادمة إليك لأنظر ما الذي تدعو إليه، وشَخَصَتْ إليه في اثني عشر ألف قَيْل، تحت كل قيل ألوفٌ، فلما بلغت على رأس فرسخ من سليمان، { قال يا أيها الملأُ أيُّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } ، أراد أن يريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى به، من إجراء العجائب على يده، مع إطلاعها على عظيم قدرة الله تعالى، وعلى ما يشهد لنبوة سليمان. أو: أراد أن يأخذه قبل أن تتحصن بالإسلام، فلا يحل له، والأول أليق بمنصب النبوة، أو: أراد أن يختبرها في عقلها، بتغييره، هل تعرفه أو تُنكره. { فال عِفْريتٌ من الجن } ، وهو المارد الخبيث، واسمه " ذكوان " ، أو: " صَخْر ": { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } أي: من مجلسك إلى الحكومة، وكان يجلس إلى تُسع النهار، وقيل: إلى نصفه. { وإني عليه } على حمله { لقويُّ أمين } ، آتي به على ما هو عليه، لا أغير منه شيئاً ولا أُبدله، فقال سليمان عليه السلام، أريد أعجل من هذا، { قال الذي عنده علم من الكتاب }. قيل هو: آصف بن برخيا – وزير سليمان عليه السلام، كان عنده اسمُ الله الأعظم، الذي إذا سئل به أجاب. قيل هو: يا حيّ يا قيوم، أو: يا ذا الجلال والإكرام، أو: يا إلهنا وإله كل شيء، إلهاً واحداً، لا إله إلا أنت. وليس الشأن معرفة الاسم، إنما الشأن أن يكون عين الاسم، أي: عين مسمى الاسم، حتى يكون أمره بأمر الله. وقيل: هو الخضر، أو: جبريل، أو: ملك بيده كتاب المقادير، أرسل تعالى عند قول العفريت. والأول أشهر. قال: { أنا آتيك به قبل أن يرتدَّ إليك طَرْفُك } أي: ترسل طرفك إلى شيء، فقبل أن ترده تُبصر العرش بين يديك. رُوي: أن آصف قال لسليمان: مُدّ عينيك حتى ينتهي طرفك، فمدّ عينيه، فنظر نحو اليمن، فدعا آصف، فغار العرش في مكانه، ثم نبع عند مجلس سليمان، بقدرة الله تعالى، قبل أن يرجع إليه طرفه. { فما رآه } أي: العرش { مستقراً عنده } ثابتاً لديه غير مضطرب، { قال هذا } أي: حصول مرادي، وهو حضور العرش في مدة قليلة، { من فضل ربي } عليّ، وإحسانه إليّ، بلا استحقاق مني، بل هو فضل خالٍ من العوض، { ليبلُوني }: ليختبرني { أأشكرُ } نعمَه { أم أكفرُ ومن شكَر فإنما يشكر لنفسه } لأنه يقيد به محصولها، ويستجلب به مفقودها، ويحط عن ذمته عناء الواجب، ويتخلص من وصمة الكفران. { ومن كَفَرَ فإِن ربي غنيٌّ كريم } أي: ومن كفر بترك الشكر، فإن ربي غني عن شكره، كريم بترك تعجيل العقوبة إليه.