الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } * { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } * { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { قال } سليمانُ للهدهد: { سننظرُ } أي: نتأمل فيما أخبرتَ، فتعلمُ { أَصَدَقْتَ أم كنتَ من الكاذبين } ، وهو أبلغُ من: أَكَذَبْتَ لأنه إذا كان معروفاُ بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذباً، لا محالة، وإذا كان كاذباً اتّهم فيما أخبر به، فلا يُوثق به، ثم كتب: من عبد الله، سليمان بن داود، إلى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فلا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين. قال منصور: كان سليمان أبلغ الناس في كتابه، وأقلهم كلاماً فيه. ثم قرأ: { إنه من سليمان... } إلخ، والأنبياء كلهم كذلك، كانت تكتب جُملاً، لا يُطيلون ولا يُكثرون. وقال ابن جريج: لم يزد سليمان على ما قال الله تعالى: { إِنه من سليمان... } إلخ. ثم طَيَّبه بالمسك، وختمه بخاتمه، وقال للهدهد: { اذهب بكتابي هذا فَأَلْقِه إِليهم } أي: إلى بلقيس وقومها لأنه ذكرهم معها في قوله: { وجدتها وقومها } ، وبنى الخطاب على لفظ الجمع لذلك. { ثم تولّ عنهم } أي: تنح عنهم إلى مكان قريب، بحيث تراهم ولا يرونك، ليكون ما يقولون بمسمع منك، { فانظرْ ماذا يرجعون } أي: ما الذي يردُّون من الجواب، أو: ماذا يرجع بعضهم إلى بعض من القول. فأخذ الهدهدُ الكتابَ بمنقاره، ودخل عليها من كوّة، فطرح الكتاب على نحرها، وهي راقدةٌ، وتوارى في الكوة. وقيل: نقرها، فانتبهت فزعة، أو: أتاها الجنود حولها، فوقف ساعة يرفرف فوق رؤوسهم، ثم طرح الكتاب في حجرها، وكانت قارئة، فلما رأت الخاتم { قالت } لأشرف قومها وهي خائفة: { يا أيها الملأ إني أُلقي إليَّ كتابٌ كريمٌ } ، وصفتْه بالكرم لكرم مضمونه إذ هو حق، أو: لأنه من ملك كريم، أو: لكونه مختوماً. قال - عليه الصلاة والسلام -: " كَرَمُ الكتابِ خَتْمُهُ " أو: لكونه مصدراً بالتسمية، أو: لغرابة شأنه، ووصوله إليها على وجه خرق العادة. ومضمونه والمكتوب فيه: { إنه من سليمانَ وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } ، وهذا تبيين لما أُلقي إليها كأنها لما قالت: { أُلقي إليّ كتاب كريم } قيل لها: ممن هو وما هو؟ فقالت: { إنه من سليمانَ وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلُوا عليَّ } " إن ": مفسرة، أي: لا تترفعوا عليّ ولا تتكبروا، كما يفعل جبابرة الملوك، { وأْتُوني مسلمين }: مؤمنين، أو: منقادين، وليس فيه الأمر بالإسلام. وقيل: إقامة الحجة على رسالته لأن إلقاء الكتاب على تلك الصفة معجزة باهرة. { قالت يا أيها الملاُ } ، كررت حكاية قولها إيذاناً بغاية اعتنائها بما في حيزه: { أفتُوني في أمري } أي: أجيبوني في أمري، الذي حزبني وذكرتُه لكم، وعبّرت عن الجواب بالفتوى، الذي هو الجواب عن الحوادث المشكلة غالباً تهويلاً للأمر، ورفعاً لمحلهم، بالإشعار بأنهم قادرون على حل المشكلات الملمة.

السابقالتالي
2 3