الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } * { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } * { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } * { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

يقول الحق جل جلاله: { وتفقَّدَ } سليمانُ { الطيرَ } أي: تعرف أحوال الطير تعرف َالمَلِك لمملكته، حسبما تقتضيه عناية الملك بمملكته، والاهتمام بكل جزء منها، أو: تفقده لمعرفته بالماء، أو لغير ذلك على ما يأتي. فلما تفقده لم ير الهدهد فيما بينها. والتفقد: طلب ما غاب عنك. { فقال ماليَ لا أرى الهدهد } أساتر ستره؟ { أم كان من الغائبين } ، و " أم ": بمعنى " بل ". كأنه قال: ما لي لا أراه؟ ثم بدا له أنه غائب، فأضرب عنه، وقال: بل هو من الغائبين. { لأُعذِّبَنَّه عذاباً شديداً } ، قيل: كان عذابه للطير: نتفه ريشه وتشميسه، أو: يجعله مع أضداده في قفص، أو: بالتفريق بينه وبين إلفه. وعن بعضهم: أضيق السجون معاشرة الأضداد، ومفارقة الأحباب. أو: نتفه، وطرحه بين يدي النحل تلدغه، أو: النمل تأكله. وحلّ له تعذيب الهدهد لينزجر غيره، ولِما سخرت له الحيوانات - ولا يتم التسخير إلا بالتأديب - حلّ له التأديب. { أو لأذْبحنَّه } ليعتبر به أبناء جنسه، { أو لَيَأْتِيَنِّي بسلطانٍ مبين } بحُجة تُبين عذره، والحلف في الحقيقة على أحد الأمرين، على تقدير عدم الثالث. قال بعضهم: وسبب طلبته للهدهد، لإخلاله بالنوبة التي كان ينوبها. وقيل: كانت الطير تظله، فأصابته لمعة من الشمس، فنظر، فرأى موضع الهدهد خالياً، فتفقده، وقيل: احتاج إلى الماء، وكان عِلْمُ ذلك إلى الهدهد، فتفقده، فلم يجده، فتوعده. والسبب فيه: أن سليمان عليه السلام لَمَّا فرغ من بناء بيت المقدس، عزم على الخروج إلى أرض الحرم، للحج، فتجهز للمسير، وخرج بجنوده - كما تقدم - فبلغ الحرم، وأقام به، وكان ينحر كل يوم بمكة خمسة آلاف ناقة، ويذبح خمسة آلاف ثور، وعشرين ألف شاة، قرباناً. وقال: إن هذا مكان يخرج منه نبي عزيزُ، صفته كذا وكذا، يُعطَى النصر على جميع من ناوأه، وتبلغ هيبته مسيرة شهر، القريب والبعيد في الحق عنده سواء، لا تأخذه في الله لومة لائم، دينه دين الحنيفية، فطوبى لمن أدركه وآمن به، وبيننا وبين خروجه زهاء ألف عام. ثم قضى نسكه، وخرج نحو اليمن صباحاً، يؤم سهيلاً، فوافى صنعاء وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضاً حسناء، تزهو خضرتها، فأحب النزول بها ليصلي ويتغذى، فطلبوا الماء فلم يجدوه، وكان الهدهد دليله على الماء، كان يرى الماء من تحت الأرض، كما نرى الماء في الزجاجة، فينقر الأرض فتجيء الشياطين يستخرجونه. وبحث فيه القشيري بأن الهدهد متعدد في عسكره، إذا فقدوا واحداً بقي آخر، قال: اللهم إلا أن يكون ذلك الواحد مخصوصاً بمعرفة ذلك، والله أعلم. هـ. قال سعيد بن جبير: لما ذكر ابن عباس هذا الحديث: قال له نافع بن الأزرق: كيف ينظر الماء تحت الأرض، ولا يبصر الفخ حتى يقع فيه؟ قال ابن عباس: ويحك إذا جاء القدر حال دون البصر.

السابقالتالي
2 3 4