الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } * { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { طس } أي: يا طاهر يا سيد. قال ابن عباس: " هو اسم من أسماء الله تعالى " ، أقسم به أن هذه السورة آياتها القرآن وكتاب مبين. قلت: ولعلها مختصرة من اسمه " اللطيف والسميع ". وقيل إشارة إلى طهارة سر حبيبه. { تلك آياتُ القرآن } ، الإشارة إلى نفس السورة، وما في معنى الإشارة من معنى البُعد، مع قرب العهد بالمشار إليه، للإيذان ببُعد منزلته في الفضل والشرف، أي: تلك السورة الكريمة التي نتلوها عليك هي آيات القرآن، المعروف بعلو الشأن. { و } آيات { كتابٍ } عظيم الشأن { مُبين } مظهر بما في تضاعيفه من الحِكَم، والأحكام، وأحوال الآخرة، أو: مبين: مُفرق بين الرشد والغي، والحلال والحرام، أو: ظاهر الإعجاز، على أنه من: أبان، بمعنى بان، وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى، نحو: هذا فعل السخي والجواد. ونكّر الكتاب ليكون أفخم له. وقيل: إنما نكّر الكتاب وعرّفه في الحِجْر، وعرّف القرآن ونكره في الحِجْر لأن القرآن والكتاب اسمان علمان على المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفان له لأنه يُقرأ ويكتب، فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم، وحيث جاء بلفظ التنكير فهو الوصف. قاله النسفي. وما قيل من أهل الكتاب هو اللوح المحفوظ، وإبانته أنه خُطَّ فيه ما هو كائن، لا يساعده إضافة الآيات إليه. والوصف بالهداية والبشارة في قوله: { هدىً وبُشرى للمؤمنين } أي: حال كون تلك الآيات هادية ومبشرة للمؤمنين، فهما منصوبان على الحال، من الآيات، على أنهما مصدران بمعنى الفاعل للمبالغة، كأنهما نفس الهداية والبشارة، والعامل فيها ما في " تلك " من معنى الإشارة، أو خبر، أي: هي هدى وبشرى للمؤمنين خاصة إذ لا هداية لغيرهم بها. { الذين يقيمون الصلاة } يُديمون على إقامة فرائضها وسننها، ويحافظون على خشوعها وإتقانها، { ويُؤتون الزكاة } أي: يؤدون زكاة أموالهم، { وهم بالآخرة هم يُوقنون } حق الإيقان. إما من جملة الموصول، وإما استئناف، كأنه قيل: هؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة حق الإيقان، لا من عداهم لأن من تحمل مشاق العبادات، إنما يكون لخوف العقاب، ورجاء الثواب، أولاً، ثم عبودية آخراً، لمن كمل إخلاصه. ثم ذكر ضدهم، فقال: { إنَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة } أي: لا يُصدّقون بها، وبما فيها من الثواب والعقاب، { زيَّنَّا لهم أعمالهم } الخبيثة، حيث جعلناها مشتهية للطبع، محبوبة للنفس، حتى رأوها حسنة، كقوله:أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } [فاطر: 8]، { فهم يَعْمَهُونَ } يترددون في ضلالتهم. كما يكون حال الضال عن الطريق. { أولئك الذين لهم سوءُ العذابِ } في الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر، { وهم في الآخرة هم الأخسرون } أشدّ الناس خسراناً لأنهم لو آمنوا لكانوا من أكرم الناس، شهداء على جميع الأمم يوم القيامة، فخسروا ذلك مع خسران ثواب الله والنظر إليه.

السابقالتالي
2