الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } * { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } * { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }

يقول الحق جل جلاله: حاكياً عن خليله إبراهيم عليه السلام: { ربِّ هبْ لي حُكماً } أي: حكمة، أو حُكماً بين الناس، أو نبوة لأن النبي ذو حُكم بين عباد الله. { وألحِقْني بالصالحين } أي: الأنبياء، الذين صلحوا لحمل أعباء النبوة والرسالة، وصلحت سرائرهم للحضرة، ولقد أجابه بقوله: { وإنه في الآخرة لمن الصالحين }. { واجعل لي لسانَ صدقٍ في الآخرين } أي: ثناءً حسناً، وذكراً جميلاً في الأمم التي تجيء بعدي، فأُعطي ذلك، فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه، ووضَعَ اللسانَ موضعَ القول لأن القول يكون به. أو: واجعلني على طريق قويم، وحال مُرضي، يُقتدى بي فيهما، ويُحمد أثري بعد موتي، كما قيل:
مَوْتُ التقِيِّ حَيَاةٌ لا فناء لها قد مات قومٌ وهم في الناس أَحْيَاءُ   
وقد تحقق له جميع ذلك، وخصوصاً في هذه الأمة، حتى أنه مذكور ومقرون في كل صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: سأل أن يجعله صالحاً، بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن كاذباً. وقيل: سأل الإمامة في التوحيد والدين، وقد أجيب بقوله:إِنّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [البقرة: 124]. { وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ } أي: اجعلني وارثاً من ورثة جنة النعيم، أي: الباقين فيها، { واغفرْ لأبي } ، أي: اجعله أهلاً للمغفرة، بإعطاء الإسلام { إنه كان من الضالين }: الكافرين، أو: اغفر له على حاله. وكان قبل النهي. { ولا تُخزني يوم يُبعثون } أي: لا تُهنِّي يوم يبعثون. الضمير للعباد لأنه معلوم، أو: للضالين، أي: لا تخزني في أبي يوم البعث، وهذا من جملة الاستغفار لأبيه، وكان قبل النهي عنه، أي: لا تُهِنِّي، { يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ } ، أي: لا ينفع فيه مال، وإن كان مصروفاً في وجوه البر، ولا بنون، وإن كانوا صُلحاء متأهلين للشفاعة، { إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ } من الكفر والنفاق فإنه ينفعه ماله المصروف في طاعة الله، ويشفع فيه بنوه، إن تأهلوا للشفاعة، بأن أَدَّبَهُمْ ودرَّجهم إلى اكتساب الكمالات والفضائل. وقال ابنُ المسيَبِ: القلب السليم هو قلب المؤمن فإن قلب الكافر والمنافق مريض قال الله تعالى:فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [البقرة: 10]. وقال أبو عثمان: هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن على السنة. وقال الحسن بن الفضل: سليم من آفات المال، والبنين والله تعالى أعلم. الإشارة: قد استعمل إبراهيم عليه السلام الأدب، الذي هو عمدة الصوفية، حيث قدّم الثناء قبل الطلب، وهو مأخوذ من ترتيب فاتحة الكتاب. وقوله تعالى: { ربِّ هبْ لي حُكماً }: قال القشيري: أي: على نفسي أولاً، فإن من لا حُكْم له على نَفْسِه لا حُكْمَ له على غيره، { وألحقني بالصالحين } بالقيام بحقك، دون الرجوع إلى طلب الاستقلال لنفسي دون حقك. هـ.

السابقالتالي
2