الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } * { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } * { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } * { أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } * { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } * { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } * { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } * { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } * { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ }

يقول الحق جل جلاله: { واتلُ عليهم } أي: على المشركين { نبأَ إبراهيمَ } أي: خبره العظيم الشأن، ولم يأمر في قصص هذه السورة بتلاوة قِصَّةٍ إلا في هذه تفخيماً لشأنه، وتعظيماً لأمر التوحيد، الذي دلت عليه. { إذْ قال } أي: وقت قوله { لأبيه وقومه ما تعبدون } أي: أيُّ شيء تعبدون؟ وإبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عَبَدة الأصنام، لكنه سألهم ليُعلمهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة، { قالوا نعبد أصناماً } ، وجواب { ما تعبدون }: هو قولهم: { أصناماً } لأن السؤال وقع عن المعبود لا عن العبادة، فكان حق الجواب أن يقولوا: أصناماً، كقوله تعالى:وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } [البقرة: 219]، وكقوله تعالى:مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } [سبأ: 23]. لكنهم أطنبوا فيه بإظهار العامل قصداً إلى إبراز ما في نفوسهم الخبيثة من الابتهاج والافتخار بعبادتها، { فنظلُّ لها عاكفين } أي: فنقيم على عبادتها طول النهار. وإنما قالوا: { فنظل } لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل: أو يراد به الدوام. { قال } إبراهيمُ عليه السلام: { هل يسمعونكم إذ تَدْعون } أي: هل يسمعون دعاءكم حين تدعونهم، على حذف مضاف، { أو ينفعونكم } إن عبدتموها، { أو يَضُرُّونَ } أو يضرونكم إن تركتم عبادتها إذ لا بد للعبادة من جلب نفع أو دفع ضر؟ { قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } فاقتدينا بهم. اعترفوا بأن أصنامهم بمعزل عما ذكر من السمع، والمنفعة، والمضرة بالمرة. واضطروا إلى إظهار أنهم لا سند لهم سوى التقليد الرديء. { قال } إبراهيم: { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } أي: أنظرتم وأبصرتم وتأملتم فعلمتم ما كنتم تعبدون { أنتم وآباؤكم الأقدمون } حق الإبصار، أو حق العلم، { فإنهم عدو لي } أي: فاعلموا أنهم أعداء لي، لا أحبهم ولا يحبونني، أو: لو عبدتموهم لكانوا أعداء لي يوم القيامة، كقوله:سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 82]، وقال الفراء: هو من المقلوب، أي: فإني عدو لهم، والعدو يجيء بمعنى الواحد والجماعة لأنه فَعُولٌ، كصبور. وفي قوله: { عدو لي } ، دون " لكم " زيادةُ نصحٍ، لكونه أدعى لهم إلى القبول، ولو قال: فإنهم عدو لكم، لم يكن بتلك المثابة، ولم يقبلوه، { إلا ربِّ العالمين }: استثناء منقطع، أي: لكن رب العالمين ليس كذلك، بل هو حبيب لي. وأجاز الزَّجَّاجُ أن يكون متصلاً، على أن الضمير لكل معبود، وكان من آبائهم من عَبَد الله تعالى، وهم أيضاً كانوا يعبدون الله مع أصنامهم. ثم وصف الربّ تعالى قوله: { الذي خلقني } بالتكوين في القرار المكين، { فهو يَهدين } وحده إلى كل ما يُهمني ويُصلحني من أمور الدين والدنيا، هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح، متجددة على الاستمرار، كما ينبئ عنه صيغة المضارع. وعبَّر بالاستقبال، مع سبق الهداية في الأزل لأن المراد ما ينشأ عنها، وهو الاهتداء لما هو الأهم والأفضل والأتم والأكمل، أو: والذي خلقني لأسباب خدمته فهو يهدين إلى آداب خُلَّتِهِ.

السابقالتالي
2 3