الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } * { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

يقول الحق جل جلاله: { فأَتْبَعُوهم } أي: فأتبع فرعونُ وقومُه بني إسرائيل، أي: لحقوا بهم، وقرئ بشد التاء، على الأصل، { مُشْرِقين } داخلين في وقت شروق الشمس، أي: طلوعها، { فلما تراءى الجمعان } أي: تقابلا، بحيث يرى كلُّ فريقٍ صاحبَه، أي: بنو إسرائيل والقبط، { قال أصحابُ موسى إنا لمدْرَكون } أي: قرب أن يلحقنا عدونا، وأمامنا البحر، { قال } موسى عليه السلام ثقة بوعد ربه: { كلاَّ } ارتدعوا عن سوء الظن بالله، فلن يُدرككم أبداً، { إنَّ معي ربي سيهدين } أي: سيهديني طريق النجاة منهم. رُوي أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر هاجت الريح، والبحر يرمي بموج مثل الجبال، فقال يُوشع عليه السلام: يا كليم الله، أين أُمرتَ، فقد غَشِيَنَا فرعونُ، والبحرُ أمامنا؟ قال عليه السلام: ها هنا، فخاض يُوشع الماء، وضرب موسى بعصاه البحر، فكان ما كان، وقال الذي كان يكتم إيمانه يا مكلم الله أين أُمرتَ؟ قال: ها هنا. فكبح فرسَه بلجامه، ثم أقحمه البحر، فرسب في الماء، وذهب القومُ يصنعون مثل ذلك، فلم يقدروا، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع؟ فأوحى الله إليه: { أن اضرب بعصاك البحر } ، فضربه، فانفلق، فإذا الرجل واقف على فرسه، لم يبتلَّ لِبْدُه ولا سَرْجه. وقال محمد بن حمزة: لما انتهى موسى إلى البحر، دعا، فقال: يا من كان قبل كل شيء، والمكوّن لكلّ شيء، والكائن بعد كلِّ شيء، اجعل لنا مخرجاً، فأوحى الله إليه: أن اضرب بعصاك البحر، وذلك قوله تعالى: { فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحرَ } أي: القلزم، أو النيل، { فانفلق } أي: فضرب فانفلق وانشقَّ فصار اثني عشر فرقاً على عدد الأسباط. { فكان كلُّ فِرْقٍ } أي: جزء من الماء { كالطَّوْدِ }: كالجبل المنطاد في السماء { العظيم } ، وبين تلك الجبال من الماء مسالك، بأن صار الماء مكفوفاً كالجامد، وما بينها يَبَس، فدخل كل سبط في شعْبٍ منها. { وأَزْلَفْنَا } أي: قَرَّبْنَا { ثَمَّ الآخرين } أي: فرعون وقومه، حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم، { وأنجينا موسى ومَن معه أجمعين } من الغرق بحفظ البحر على تلك الهيئة، حتى عبروه، { ثُمَّ أغرقنا الآخرين } بإطباقه عليهم. قال النسفي: وفيه إبطالُ القول بتأثير الكواكب في الآجال وغيرها من الحوادث، فإنهم اجتمعوا في الهلاك، على اختلاف طوالعهم. رُوي أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون، فكان يقول لبني إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم، ويستقبل القبط فيقول: رويدكم، ليلحَق آخركم. هـ. { إنَّ في ذلك لآيةً } أي: في جميع ما فصّل مما صدر عن موسى عليه السلام، وما ظهر على يديه من المعجزات القاهرة، وفيما فعل فرعونُ وقومه من الأفعال والأقوال، وما فُعل بهم من العذاب والنكال، لعبرة عظيمة، لا تكاد تُوصف، موجبة لأن يعتبر المعتبرون، ويقيسوا شأن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن موسى عليه السلام، وحال أنفسهم بحال أولئك المهلكين، ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطونه من الكفر والمعاصي ومخالفة الرسول، فيؤمنوا بالله تعالى ويطيعوا رسوله، كي لا يحل بهم ما حلّ بأولئك، أو: إن فيما فُصل من القصة من حيث حكايته عليه السلام إياها على ما هي عليه، من غير أن يسمعها من أحد، لآية عظيمة دالة على ان ذلك بطريق الوحي الصادق، موجبة للإيمان بالله تعالى، وتصديق من جاء بها وطاعته.

السابقالتالي
2