الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } * { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } * { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } * { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

يقول الحق جل جلاله: { فألقى موسى عصاه } من يده، { فإِذا هي تلقفُ } أي: تبتلع بسرعة { ما يأفكون }: ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم، ويزورونه، فيُخيِّلون في حبالهم وعصيّهم أنها حيات تسعى، { فأُلقي السحرةُ ساجدين } لما شاهدوا ذلك من غير تلعْثم ولا تردد، غير متمالكين لأنفسهم لعلمهم بأن ذلك خارج عن حدود السحر، وأنه أمر إلهي، يدل على تصديق موسى عليه السلام. وعَبَّر عن الخرور بالإلقاء بطريق المشاكلة لقوله: { ألقو ما أنتم ملقون } ، فألقى، فلما خروا سجوداً، { قالوا آمنا بربِّ العالمين } ، قال عكرمة: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء. هـ. { ربِّ موسى وهارون }: عطف بيان، أو: بدل من { رب العالمين }. فدفع توهم إرادة فرعون لأنه كان يدعي الربوبية، فأرادوا أن يعزلوه منها. وقيل: إن فرعون لما سمع منهم: { آمنا برب العالمين } ، قال: إياي عنيتم؟ قالوا: { ربِّ موسى وهارون }. { قال آمنتم له قبل أنْ آذنَ لكم } أي: بغير إذن لكم، كما في قوله تعالى:قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } [الكهف: 109]، لا أن الإذن منه ممكن أو متوقع، { إنه لكبيرُكم الذي علّمكم السحرَ } فتواطأتم على ما فعلتم مكراً وحيلة. أراد بذلك التلبيس على قومه لئلا يعتقدوا أنهم آمنوا على بصيرة وظهور حق. ثم هَدَّدَهُم بقوله: { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ } ، يداً من جهة ورجلاً من أخرى، أو: من أجل خلافٍ ظهر منكم، { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } قيل: إنه فعل ذلك، ورُوي عن ابن عباس وغيره، وقيل: إنه لم يقدر على ذلك، لقوله تعالى:أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } [القصص: 35]. { قالوا } أي: السحرة: { لا ضَيْرَ } أي: لا ضرر علينا في ذلك، فحذف خبر " لا " ، { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا } الذي عرفناه وواليناه { منقلبون } لا إليك، فيُكرم مثوانا ويُكفر خطايانا، أو: لا ضرر علينا توعدتنا به إذ لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بالموت، فلأن يكون في ذاته وسبب دينه أولى، قال الورتجبي: لَمَّا عاينوا مشاهدة الحق سَهُلَ عليهم البلاء، لا سيما أنهم يطمعون أن يصلوا إليه، بنعت الرضا والغفران. هـ. ولذلك قالوا: { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا } أي: لأن كنا { أَوَّلَ المؤمنين } من أهل المشهد، أو: من أَتْبَاعِ فرعون. الإشارة: من شأن خواص الملك ألا يفعلوا شيئاً إلا بإذنٍ من ملكهم، ولذلك أنكر فرعونُ على السحرة المبادرة إلى الإيمان قبل إذنه، وبه أخذت الصوفية الكبار والفقراء مع أشياخهم، فلا يفعلون فعلاً حتى يستأذنوا فيه الحق تعالى والمشايخ، وللإذن سر كبير، لا يفهمه إلا من ذاق سره. وتقدم بقية الإشارة في سورة الأعراف. والله تعالى أعلم. ثم ذكر خورج موسى من مصر وتوجهه نحو البحر، فقال: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ... }