الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } * { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } * { ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } * { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } * { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

يقول الحق جل جلاله: { وأنَذِرْ } يا محمد { عشيرتَك الأقربين } ، إنما خصهم بالذكر لئلا يتكلوا على النسب، فَيَدَعُوا ما يجب عليهم، لأن من الواجبات ما لا يشفع فيها، بقوله في تارك الزكاة وقد استغاث به: " لا أملك لكم من الله شيئاً ". وفي الغالِّ كذلك. وقيل: إنما خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته، وليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً إذ النجاة في اتباعه، لا في قربه منهم. ولما نزلت صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصَّفا، ونادى الأقربَ فالأقرب، وقال: " يا بَني عبد المطلب، يا بني هاشم، يابني عبد مناف، يا عباسُ – عم النبي صلى الله عليه وسلم – يا صفيَّةُ – عمَّة النبي صلى الله عليه وسلم لا أمْلِكُ لكم من الله شيئاً " وقال ابن عباس رضي الله عنه: صَعدَ النبي صلى الله عليه وسلم الصَّفا، ونادى: " يا صباحَاه " فاجتمع الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: " يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، إنْ أخبرتُكم أن خَيْلاً بسَفْح هذا الجَبَل، تريد أن تُغير عليكم صدقتُموني؟ قالوا: نَعَمْ. قال: فإني نذير لكم بين يَدَيْ عَذَاب شديدٍ. فقال أبو لهب: تبَّاً لك سائر اليوم، ما جمعتنا إلا لهذا " ؟ فنزلت:تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [المسد: 1]. ثم قال: { واخفضْ جناحك } أي: وألن جانبك وتواضعْ، وأصله: أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض الجناح مثلاً في التواضع ولين الجانب. ويكن ذلك التواضع { لِمَنِ اتبعك من المؤمنين } من قرابتك وغيرهم. { فإن عَصَوْكَ فقل إني بريءٌ مما تعملون } أي: أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك وغيره. { وتوكل على العزيز الرحيم } أي: على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته، فإنه يكفيك شر من يعاديك. { الذي يراك حين تقومُ } للتهجد، { و } يرى { تقلُّبَكَ في الساجدين } في المصلين. أتبع كونه رحيماً برسوله ما هو من أسباب الرحمة، وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل، من قيامه للتهجد، وتقلبه في تصفح أحوال المُتَهَجِّدِينَ، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون. وقيل: معناه: ويراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة، وتقلبك في الساجدين: تصرفه فيما بينهم، بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم. وعن مقاتل: أنه سأل أبا حنيفة: هل تجد الصلاة بالجماعة في القرآن؟ فقال: لا يحضرني، فتلا له هذه الآية. وقيل: تقلبه في أصلاب الرجال. ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم في الآية أنه قال: " من نبي إلى نبي حتى أخرجتك نبياً ".

السابقالتالي
2