الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } * { قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } * { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } * { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَاقِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قلت: اسم الجمع واسم الجنس يُذكر ويُؤنث، كقوم، ورهط، وشجر. يقول الحق جل جلاله: { كذبَتْ قومُ نوحٍ } ، وهو نوح بن لامَك. قيل: وُلد في زمن آدم عليه السلام، قاله النسفي، وإنما قال: { المرسلين } ، والمراد: نوح فقط لأن من كذَّب واحداً من الرسل فقد كذب الجميع، لاتفاقهم في الدعوة إلى الإيمان، لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل. وقد يُراد بالجمع: الواحد كقولك: فلان يركب الخيل، ويلبس البرود، وماله إلا فرس واحد وبُرد واحد. { إذ قال لهم }: ظرف للتكذيب، أي: كذبوه وقت قوله لهم { أخوهم نوحٌ } نسباً، لا ديناً، وقيل: أخوة المجانسة، كما في آية:بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [إبراهيم: 4]: { ألاَ تتقون } خالق الأنام، فتتركوا عبادة الأصنام، { إني لكم رسول أمين } ، كان مشهوراً بالأمانة عندهم، كحال نبينا صلى الله عليه وسلم في قريش، ما كانوا يُسمونه إلا محمداً الأمين. { فاتقوا الله وأطيعونِ } فيما آمركم به وأدعوكم إليه من الإيمان. { وما أسألكم عليه } أي: على ما أنا مُتصدٍ له من الدعاء والنصح، { من أجرٍ } أصلاً { إنْ أجريَ } فيما أتولاه { إلا على ربِّ العالمين } لا أطمع في غيره، { فاتقوا الله وأطيعون } ، الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من تنزيهه عليه السلام عن الطمع، كما أن نظيرتها السابقة لترتيب ما بعدها على أمانته. والتكرير للتأكيد، والتنبيه على أن كلا منهما مستقل في إيجاب التقوى والطاعة، فكيف إذا اجتمعا؟ كأنه قال: إذا عرفتم رسالتي وأمانتي فاتقوا الله وأطيعون. { قالوا أَنُؤْمِنُ لك واتبعك } والحالة أنه قد تبعك { الأرْذَلونَ } أي: الأرذلون جاهاً ومالاً، والرذالة: الدناءة والخسة، وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم، وقلة نصيبهم من الدنيا، وقيل: كانوا من أهل الصناعة الدنيئة، قيل: كانوا حاكة وأساكفة - جمع إسكاف - وهو الخَفَّافُ - أي: الخراز، وقيل: النجار. والصناعة لا تزري بالديانة، فالغنى غنى القلوب، والنسب نسب التقوى، والعز عز العلم بالله لا غير، ومرادهم بذلك: أنه لا مزية لك في اتباعهم إذ ليس لهم رزانة عقل، ولا إصابة رأي، وقد كان ذلك منهم في بادي الرأي. وهذا من كمال سخافة عقولهم، وقصر نظرهم على حطام الدنيا حتى اعتقدوا أن الأشرف مَنْ جَمَعَهَا، والأرذل مَنْ حُرمَها. وقد جهلوا بأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن النعيم هو نعيم الآخرة، والأشرف مَنْ فازَ بِه، وسكن في جوار الله، والأرذل من حُرم ذلك. قال القشيري: ذكر ما لَقِيَ من قومه، وقوله: { واتبعك الأرذلون } ، وكذلك أتباع الرسل، إنما هم الأضعفون، لكنهم - في حُكم الله - هم المقدّمون الأكرمون، قال صلى الله عليه وسلم: " نُصِرْتُ بضعفائكم " ، إلخ كلامه. { قال وما عِلْمِي } أي: وأيّ شيء علمي { بما كانوا يعملون } من الصناعات، إنما أطلب منهم الإيمان.

السابقالتالي
2