الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } * { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } * { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } * { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } * { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } * { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } * { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } * { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قلت: وأُزلفت: عطف على ينفع، وصيغة الماضي فيها وفيما بعدها لتحقق الوقوع. يقول الحق جل جلاله، في شأن اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون: { وأُزلفتِ } أي: قُّربت { الجنةُ للمتقين } ، أي: تزلف من موقف السعداء، فينظرون إليها، { وبُرِّزتِ الجحيمُ }: أُظهرت، حتى يكاد يأخذهم لهبها، { للغاوين }: للكافرين، { وقيلَ لهم أينَ ما كنتم تعبدون من دون الله هل يَنْصُرونكم } بدفع العذاب عنكم، { أو ينتصرون } بدفعه عن أنفسهم، يوبّخون على إشراكهم، فيقال لهم: أين آلهتكم التي عبدتموها، هل ينفعونكم اليوم بنصرتهم لكم؟ أو: هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لها؟ كلا، بل هم وآلهتهم وَقُودُ النار، كما قوله تعالى: { فكُبْكِبُوا فيها } أي: أُلقوا في الجحيم على وجوههم، مرة بعد أخرى، إلى أن يستقروا في قعرها. وفي القاموس: كبّه: قَلَبَهُ وصرعه، كأكبه وكبكبه. هـ. أي: صُرِعُوا منكبين في الجحيم على وجوههم، { هم } أي: آلهتهم { والغاوون } أي: الذين كانوا يعبدونهم. وفي تأخير ذكرهم عن ذكر آلهتهم رمز إلى أنهم مُؤَخِّرُونَ عنها في الكبكبة ليشاهدوا سوء حالها، فيزدادوا غماً على غم، { وجنودُ إبليسَ } أي: يكبكبون معهم { أجمعون } ، وهو شياطينه الذين كانوا يقوونهم ويوسوسونهم، ويُسَوِّلُونَ لهم ما هم عليه من عبادة الأصنام، وسائر فنون الكفر والمعاصي، أو:متبعوه من عصاة الجن والإنس ليجتمعوا في العذاب، حسبما كانوا مجتمعين فيما يوجبه. { قالوا } أي: العبدة { وهم فيها يختصمون } أي: قالوا معترفين بخطئهم في انهماكهم في الضلالة متحسرين، والحال: أنهم في الجحيم بصدد الاختصام مع من معهم من المذكورين فيجوز أن يُنطق الله الأصنامَ حتى يصح منها التخاصم والتقاول، ويجوز أن يجري ذلك بين العصاة والشياطين. قالوا: { تالله إنْ كُنَّا لفي ضَلاَل مُبِين } أي: إن الشأن كنا في ضلال واضح، لا خفاء فيه، { إذ نسويكم } نَعْدِلُكُم { بربِّ العالمين } فنعبدُكم معه، أي: تالله لقد كنا في ضلال فاحش وقت تسْويتنا إياكم أيها الأصنام، في استحقاق العبادة، برب العالمين، الذي أنتم أدنى مخلوقاته، وأذلهم وأعجزهم، { وما أضَلَّنا إلا المجرمون } أي: رؤساؤهم، الذين أضلوهم، وإبليس وجنوده، ومن سنَّ الشرك. وليس المراد قصر الإضلال على المجرمين دون من عداهم، بل قصر ضلالهم على كونه بسبب إضلالهم، من غير أن يستقلوا به، وهذا كقولهم:رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } [الأحزاب: 67]. وعن السُّدِّي: هم الأولون الذين اقتدوا بهم. وأيّا ما كان ففيه التعريض للذين قالوا: { بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون }. ثم قالوا: { فما لنا من شافعين } كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء - عليهم السلام - وغيرهم ممن أُهِّلَ للشفاعة. { ولا صديقٍ حميم } كما لهم أصدقاء إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون، وأما الكفار فبينهم التعادي كما يأتي في الآية.

السابقالتالي
2 3