الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } * { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } * { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } * { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }

يقول الحق جل جلاله: { والذين لا يشهدون الزورَ } أي: لا يقيمون شهادة الكذب، أو لا يحضرون محاضر الكذب فإنَّ مشاهدة الباطل مشاركة فيه، أي: يبعدون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطَّائين، فلا يقربونها، تَنَزُّهاً عن مخالطة الشر وأهله. وفي مواعظ عيسى - عليه السلام -: إياكم ومجالسَ الخطَّائين. { وإِذا مَرُّوا باللغو } أي: بالفحش وكل ما ينبغي أن يلغى ويُطرح، والمعنى: وإذا مروا بأهل اللغو المشتغلين به { مَرُّوا كراماً } معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن التلوث به كقوله:وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [القصص: 55] وعن الباقر: إذا ذَكروا الفروج كفوا عنها، وقال مقاتل: إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا عنه وصفحوا. { والذين إذا ذُكِّروا بآياتِ ربهم } أي: قرئ عليهم القرآن، أو: وعظوا بالقرآن، { لم يَخرُّوا عليها صُمّاً وعُمْياناً } ، بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية، مجلتين لها بعيون راعية. وإنما عبّر بنفي الضد تعريضاً بما يفعله الكفرة والمنافقون. { والذين يقولون ربنا هَبْ لنا من أزواجنا } ، " من ": للبيان، كأنه قيل: هب لنا قرة أعين، ثم بُينت القرة وفُسرت بقوله: { من أزواجنا وذرياتنا } والمعنى: أن يجعلهم الله لهم قرة أعين بأن يروا منهم من الطاعة والإحسان وما تقر به العين. أو للابتداء، أي: هب لنا من جهتهم ما تقر به العين، من طاعة أو صلاح. { و } هب لنا أيضاً من { ذرياتنا قُرةَ أعيُن } بتوفيقهم للطاعة، ومبادرتهم للفضائل والكمالات، فإن المؤمن إذا ساعده أهله في طاعة الله تعالى وشاركوه فيها يسر قلبه، وتقر عينه بما شاهده من مقاربتهم له في الدين، ويكون ذلك سبباً في لحوقهم به في الجنة، حسبما وعد به قوله تعالى:أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: 21]. وإنما قال: " أعين " بلفظ القلة، دون عيون لأن المراد أعين المتقين، وهي قليلة بالإضافة إلى أعين غيرهم. والمعنى: أنهم سألوا ربهم يرزقهم أزواجاً وأعقاباً، عُمَّالاً لله، يسرون بمكانهم، وتقر بهم عيونهم، قيل: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله. وعن ابن عباس: هو الولد إذا رآه يكتب الفقه. { واجعلنا للمتقين إماماً } أي: أئمة يقتدى بنا في الدين، فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس، أو: واجعل كل واحد منا إماماً أي: من أولادنا إماماً. والظاهر: أن صدور هذا الدعاء منهم كان بطريق الانفراد إذ يتعذر اجتماعهم في دعاء واحد. وإنما كانت عبارة كل واحد منهم عند الدعاء: واجعلني للمتقين إماماً، غير أنه حكيت عبارة الكل بصيغة المتكلم مع الغير قصداً إلى الإيجاز، كقوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [المؤمنون: 51]. وأبقى إماماً على حاله من الانفراد. قيل: وفي الآية دليل على أن الرئاسة في الدين ينبغي أن تُطلب ويُرغب فيها، إذا كان القصد نفع عباد الله دون حظ نفساني.

السابقالتالي
2