الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

يقول الحق جل جلاله: { ألم تَر } يامحمد { إلى رَبّكَ } أي: ألم تنظر إلى بديع صنع ربك ودلائل قدرته وتوحيده. والتعرض لعنوان الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره - عليه الصلاة والسلام -، لتشريفه وتبجيله، وللإيذان بأن ما يعقبه من آثار قدرته ورحمته، { كيف مَدَّ الظِّلَّ } أي: بسطه حتى عمَّ الأرض، وذلك من حين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس، في قول الجمهور لأنه ظل ممدود، لا شمس معه ولا ظلمة، فهو شبيه بظل الجنة. وقيل: مد ظل الأشياء الشاخصة أول النهار من شجر، أو مدر، أو إنسان، ثم قبضها وردها إلى المشرق. { ولو شاء لجعله ساكناً } أي: دائماً لا يزول ولا تُذهبه الشمس، أو: لا ينتقص بسيرها. { ثم جعلنا الشمسَ عليه } أي: على الظل { دليلاً } ، لأنه بالشمس يُعرف الظل، فلولا طلوعها وظهورها ما عرف الظل، ولا ظهر له أثر، فالأشياء تُعرف بأضدادها. { ثم قبضناه } أي: أخذنا ذلك الظل الممدود { إلينا } إلى حيث إرادتنا { قَبْضاً يسيراً } أي: على مهل قليلاً قليلاً، حسب ارتفاع دليله، على حسب مصالح المخلوقات ومرافقها. { وهو الذي جعلَ لكم الليلَ لباساً } أي: جعل الظلام الساتر كاللباس { والنوم سباتاً } أي: راحة لأبدانكم، وقطعاً لأعمالكم. والسبت: القطع، والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته، وقيل السبات: الموت، والميت مسبوت لأنه مقطوع الحياة، كقوله:وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِٱلَّيْلِ } [الأنعام: 60]. ويعضده ذكر النشور في مقابلته بقوله: { وجعل النهار نُشُوراً } أي: ذا نشور، أي: انبعاث من النوم، كنشور الميت، أو: ينشر فيه الخلق للمعاش. وهذه الآية، مع دلالتها على قدرته تعالى، فيها إظهار لنعمته تعالى لأن في الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية ودنيوية، وفي النوم واليقظة - المشبهين بالموت والبعث - عبرة للمعتبرين. قال لقمان لابنه: كما تنام فتوقظ، كذلك تموت فتنشر. { وهو الذي أرسل الرياحَ } ، وعن المكي بالإفراد، { نشراً }: جمع نشور، أي: أرسلها للسحاب حتى تسوقها إلى حيث أراد تعالى أن تمطر، { بين يدي رحمته } أي: أرسلها قدام المطر، لأنه ريح، ثم سحاب، ثم مطر. وقرأ عاصم الباء، أي: مبشرات بالمطر. { وأنزلنا من السماء ماءً طَهُوراً } أي: مطهراً بالغاً في التطهير، كقوله:لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ } [الأنفال: 11] وهو اسم لما يتطهر به، كالوضوء والوقود، لِمَا يتوضأ به ويوقد به. وقيل: طهور في نفسه، مبالغة في الطاهرية، فالطهور في العربية يكون صفة، كما تقول: ماء طهور، واسماً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " التراب طهور، والمؤمن طهور " وقد يكون مَصْدَراً بمعنى الطهارة، كقولك: تطهرت طهوراً حسناً، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة إلا بطهور " ووصْفُهُ تعالى الماءَ بذلك ليكون أبلغ في النعمة، فإن الماء الطهور أنفع وأهنأ مما خالطه ما يزيل طهوريته، أي: أنزلناه كذلك.

السابقالتالي
2 3