الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } * { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }

قلت: المُلْكُ: مبتدأ، والحق: صفته. وللرحمن: خبر، ويومئذٍ: ظرف للاستقرار. يقول الحق جل جلاله: { و } اذكر { يوم تشَقَّقُ } أي: تنفتح، فمن قرأ بالتخفيف: حذف إحدى التاءين، وأصله: تتشقق. ومن شد: أدغم التاء في الشين، أي: تنشق { السماءُ بالغمام } أي: عن الغمام، فتنزل ملائكة السموات في تلك الغمام ليقع الفصل بين الخلائق، وهو المراد بقوله تعالى:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْملاَئِكَةُ } [البقرة: 65]. قيل: هو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم. { ونُزِّلَ الملائكةُ تنزيلاً } عجيباً غير معهود. رُوي أن السموات تنشق سماءً سماءً، وتنزل ملائكة كل سماء في ذلك الغمام، وفي أيديها صحائف أعمال العباد، فيفصل الله بين خلقه، ولذلك قال: { الملكُ يومئذٍ الحقُّ للرحمن } أي: السلطنة القاهرة، والاستيلاء العام، الثابت الذي لا زوال له أصلاً، هو للرحمن وحده لأن كل ملْك يزول يومئذٍ، ولا يبقى إلا ملكه. وفائدة التقييد، مع أن الملك لله في الدنيا والآخرة لأن في الدنيا قد تظهر صورة الملك للمخلوق مجازاً، ويكون له تصرف صوري، بخلاف يوم القيامة، ينقطع فيه الدعاوي، ويظهر الملك لله الواحد القهار، { وكان يوماً على الكافرين عسيراً } أي: وكان ذلك اليوم، مع كون الملك للمبالغ في الرحمة، { عسيراً } أي: صعباً، شديداً على النفوس بالنسبة للكافرين، وأما على المؤمنين فيكون يسيراً، بفضل الله تعالى. وقد جاء في الحديث: أنه يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون أخف عليهم من صلاة مكتوبة، صلَّوْهَا في الدنيا. ففي حديث أبي سعد الخِدري حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } ، قلت: يا رسول الله، ما أطول هذا اليوم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إِنَّهُ ليُخَفَّفُ على المؤمِنِ حتى يكونَ أخفَّ عليه من صلاةٍ مكتوبة، يصليها في الدنيا ". { و } اذكر أيضاً { يوم يَعَضُّ الظالمُ على يديه } ندماً وتحسراً، فعض اليد والأنامل: كناية عن شدة الغيظ والحسرة لأنها من روادفها، فتذكر المرادفة ويراد بها المردوف، فيرتفع الكلام بذلك في طبقة الفصاحة، ويجد السامع في نفسه من الروعة ما لا يجده عند اللفظ المكنى عنه. والمراد بالظالم: إما عُقبةَ بْن أَبِي مُعيط، وكان خليلاً لأُبَيّ بن خلف وكان عقبة يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم من سفر وصنع طعاماً، فدعا إليه أشرف قومه، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قُرِّب الطعام، قال النبي صلى لله عليه وسلم: " ما أنا بآكل من طعام، حتى تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله " فقال عقُبة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

السابقالتالي
2 3 4