الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

يقول الحق جل جلاله: { يا أيها الذين آمنوا } ، ويدخل فيه النساء، { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين ملكت أيمانُكُم } من العبيد والإماء، { والذين لم يبلغوا الحُلُمَ منكم } أي: والأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار، { ثلاثَ مراتٍ } في اليوم والليلة، وهي { من قبلِ صلاة الفجر } لأنه وقت القيام من المضاجع، وطرح ما ينام فيه من الثياب، ولبس ثياب اليقظة، وربما يجدهم في هذا الوقت نائمين متجردين، { وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } وهي نصف النهار في القيظ لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة، { ومن بعد صلاةِ العشاء } لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة، والالتحاف بثياب النوم. هي { ثلاثُ عوراتٍ لكم } ، ومن نصبه فَبَدلٌ من { ثلاث مرات } أي: أوقاتُ ثلاثِ عوراتٍ، وسمى كل واحد من هذه الأوقات عورة لأن الإنسان يختل تستره فيها، والعورة: الخلل، ومنه سمي الأعور لاختلاف عينه. رُوي أن غلاماً لأسماء بنت أبي مرثد دخل عليها في وقت كَرِهَتْهُ، فنزلت. وقيل: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مُدْلِجَ بنَ عَمرو الأنصاري، وكان غلاماً، وقت الظهيرة، ليدعو عُمر رضي الله عنه، فدخل عليه وهو نائم قد انكشف عنه ثوبه، فقال عمر رضي الله عنه: لوددت أن الله تعالى نهى عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجده وقد نزلت عليه هذه الآية. والأمر، قيل: للوجوب، وقيل: للندب. ثم عذرهم في ترك الاستئذان في غير هذه الأوقات، فقال: { ليس عليكم ولا عليهم جُناح بعدهنّ } أي: لا إثم عليكم ولا على المذكورين من المماليك والغلمان في الدخول بغير استئذان بعد كل واحدة من تلك العورات الثلاث، أي: في الأزمنة التي بين هذه العورات الثلاث. ثم بيّن العلة في ترك الاستئذان في هذه الأوقات بقوله: { طوَّافون } أي: هم { طوَّافون عليكم } لحاجة البيت والخدمة، { بعضُكم على بعضٍ } أي: بعضكم طائف على بعض، أو يطوف على بعض، والجملة: إما بدل مما قبلها، أوبيان، يعني: أنكم محتاجون إلى المخالطة والمداخلة، يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام، فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأفضى إلى الحرج، وهو مدفوع بالنص، { كذلك يبين الله لكم الآيات } أي: كما بيّن الاستئذان، يبين لكم غيره من الآيات التي تحتاجون إلى بيانها، { والله عليمٌ } بمصالح عبادة، { حكيم } فيما دَبَّرَ وحكم به. { وإذا بلغ الأطفالُ منكم } أي: الأحرار دون المماليك { الحُلُمَ } أي: الاحتلام، وهو البلوغ، وأرادوا الدخول عليكم { فَلْيَستأذِنوا } في جميع الأوقات. قال القرطبي: لم يقل: { فليستأذنوكم } ، وقال في الأولى: { ليستأذنكم } لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبَدين. هـ. قلت: فالمخاطبون في الأولى هم الأولياء بتعليمهم الاستئذان وإيصائهم به، وهنا صاروا بالغين، فأمرهم بالاستئذان { كما استأذن الذين من قبلهم } أي: الذين بلغوا الحُلُم مِن قبلهم، وهم الرجال المذكورون في قوله:

السابقالتالي
2