قلت: جهد: مصدر مؤكد لفعله، الذي هو حيز النصب على الحال، من فاعل " أقسموا " ، ومعنى جَهْدِ اليمين: بلوغ غايتها بطريق الإستعارة، من قولهم: جهد نفسه: إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها. وأصل أقسم جهد اليمين: أقسم بجهدِ اليمين جَهداً، فحذف الفعل وقدم المصدر، فوضع موضعه مضافاً إلى المفعول، كقوله:{ فَضَرْبَ الرِّقَابِ } [محمد: 5] وحكم هذا المنصوب حكم الحال، كأنه قال: أقسموا جاهدين أيمانهم. وطاعة: مبتدأ حذف خبره، أي: طاعة معروفة أولى من تسويفكم، أو: خبر عن محذوف، أي: الذي يطلب منكم طاعة معروفة. يقول الحق جل جلاله: { وأَقْسَموا } أي: المنافقون { بالله جَهْدَ أَيمانهم } أي: بلغوا فيها غاية وسعهم، بأن حلفوا بالله. وعن ابن عباس رضي الله عنه: من حلف بالله فقد جهد يمينه، { لئن أمرتهم ليخرجُنَّ } أي: قالوا: لئن أمرنا محمد بالخروج للغزو، أو من ديارنا وأموالنا، لخرجنا. وحيث كانت مقالتهم هذه كاذبة ويمينهم فاجرة أمر عليه الصلاة والسلام - بردها حيث قيل: { قل لا تُقسموا } أي: قل رداً عليهم، وزجراً عن التفوه بها: لا تحلفوا وأنتم كاذبون، { طاعةٌ معروفة } ، تعليل للنهي، أي: لا تُقسموا على ما تدعون من الطاعة لأن طاعتكم طاعة نفاقية، معروفة بالنفاق، واقعة باللسان فقط من غير مواطأة للقلب. وإنما عبّر عنها بمعروفة للإيذان بأن كونها نفاقية مشهور معروف لكل أحد. وحملها على الطاعة الحقيقية، على حذف المبتدأ أو الخبر، مما لا يساعده المقام. انظر أبا السعود. قال القشيري: طاعة في الوقت أولى من تسويفٍ في الوعد، ولا تعِدُوا بما هو معلوم أنكم لا تفوا به. هـ. وقال النسفي: طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الفاجرة. أو: الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يُشك فيها ولا يُرتاب، كطاعة الخُلص من المؤمنين، لا أيمان تقسمونها بأفواهكم، وقلوبُكُم على خلافها. هـ. { إن الله خبير بما تعملون } من الأعمال الظاهرة والباطنة، التي من جملتها ما تظهرونه من الأكاذيب المؤكدة بالأيمان الفاجرة، وما تضمرونه في قلوبكم من الكفر والنفاق، والعزيمة على مخادعة المؤمنين، وغيرها من فنون الفساد. { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ } ، أُمِر - عليه الصلاة والسلام - بتبليغ ما خاطبهم الله به، وصرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب، وهو أبلغ في تبكيتهم، { فإِن تولَّوا } - بحذف إحدى التاءين بدليل قوله: { وعليكم } أي: فإن تُعرضوا عن الطاعة إثر ما أمرتكم بها { فإِنما عليه ما حُمِّلَ } من التبليغ وقد بلَّغَ، { وعليكم ما حُمِّلتم } من التلقي بالقبول والإذعان. والمعنى: فإن تعرضوا عن الإيمان فما ضررتم إلا أنفسكم، فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله الله تعالى من أداء الرسالة، فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه.