الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

يقول الحق جل جلاله: { لقد أنزلنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ } لكل ما يليق بيانه من الأحكام الدينية، والأسرار التكوينية. أو: موضحات، أوضحنا بها ما يحتاجون إليه من علم الشرائع والأحكام، { والله يهدي من يشاء } توفيقه { إلى صراط مستقيم } أي: دين قيِّم يُوصل إلى رضوان الله ومعرفته. الإشارة: لقد أنزلنا من بحر الجبروت أنواراً ساطعة لعالم الملكوت، والله يهدي من يشاء إلى طريق شهود هذه الأنوار. فالطريق المستقيم هي التي تُوصل إلى حضرة العيان، على نعت الكشف والوجدان، وهي ثلاثة مدارج: المدرج الأول: إتقان الشريعة الظاهرة، وهي تهذيب الظواهر وتأديبها بالسُنَّة والمتابعة. والمدرج الثاني: إتقان الطريقة، وهي تهذيب البواطن وتصفيتها من الرذائل، فإذا تطهر الباطن، وكمل تهذيبه، أشرف على المدرج الثالث، وهو كشف الحقائق العرفانية والأسرار الربانية فيفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، فيقع العيان على فقد الأعيان، وتُشرق شمس العرفان فتغطي وجودَ الأكوان. وبالله التوفيق. ولمّا ذكر إنزال الآيات ذكر افتراق الناس إلى ثلاث فرق، فرقة آمنت ظاهراً وكفرت باطناً، وهم المنافقون، وفرقة آمنت ظاهراً وباطناً، وهم المخلصون، وفرقة كفرت ظاهراً وباطناً وهم الكافرون، وبدأ بالأولى، فقال: { وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ... }