الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

يقول الحق جل جلاله: { الله نورُ السموات والأرض } أي: منور أهلهما [بنور الإسلام والإيمان لأهل الإيمان]، وبنور الإحسان لأهل الإحسان، فحقيقة النور: هو الذي تنكشف به الأشياء على ما هي عليه، حسية أو معنوية، والمراد هنا: المعنوية بدليل قوله { يهدي الله لنُوره من يشاء } ، فإن انكشف به أحكام العبودية، باعتبار المعاملة الظاهرة، يُسمّى: نُورُ الإسلام، وإن انكشف به أوصاف الذات العلية وكمالاتها، من طريق البرهان، يُسمى: نُور الإيمان، وإن انكشف به حقيقة الذات وأسرارها، من طريق العيان، يُسمى: نور الإحسان. فالأول: يشبه نور النجوم، والثاني: نور القمر، والثالث نور الشمس، ولذلك تقول الصوفية: نجوم الإسلام، وقمر الإيمان، وشمس العرفان. ثم ضرب المثل لذلك النور، حين يقذفه في قلب المؤمن، فقال { مَثَلُ نُورِهِ } أي: صفة نوره العجيبة في قلب المؤمن - كما هي قراءة ابن مسعود - { كمشكاةٍ } أي: كَصِفَةِ مِشْكَاةٍ، وهي الكُوَّةُ في الجدار غير النافذة لأن المصباح فيها يكون نوره مجموعاً، فيكون أزهر وأنور، { فيها مصباح } أي: سراج ضخم ثاقب، { المصباحُ في زجاجة } أي: في قنديل من زجاج صافٍ أزهر، { الزجاجةُ } من شدة صفائها { كأنها كوكب دُرِّيِّ } بضم الدال وتشديد الراء، منسوب إلى الدر لفرط ضيائه وصفائه، وبالكسر والهمز: " أبو عمرو " على أنه يدْرأ الظلام بضوئه. وبالضم والهمز: أبو بكر وحمزة، شبهه بأحد الكواكب الدراري، كالمشتري والزهرة ونحوهما. { تَوَقَدُ } بالتخفيف والتأنيث، أي: الزجاجة، أو { يُوقَدُ } بالتخفيف والغيب، أو: { تَوَقَّدَ } بالتشديد، أي: المصباح { من شجرةٍ } أي من زيت شجرة الزيتون، أي: رويت فتيلته من زيت { شجرةٍ مباركةٍ } كثيرة المنافع، أو: لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين، وهي الشام، وقيل: بارك فيها سبعون نبياً، منهم إبراهيم عليه السلام. { زيتونةٍ }: بدلٌ من { شجرة } ، من نعتها { لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ } أي: ليست شرقية فقط، لا تُصيبها الشمس إلا في حالة الشروق، ولا غربية، لا تصيبها إلا في حال الغروب، بل هي شرقية غربية، تصيبها الشمس بالغداة والعشي، فهو أَنْضَرُ لها، وأجود لزيتونها. وقيل: ليست من المشرق ولا من المغرب، بل في الوسط منه، وهو الشام، وأجودُ الزيتونِ زيتون الشام. { يكادُ زيتُها يٌضيءُ ولو لم تمسسه نارٌ } هو في الصفاء والإنارة بحيث يكاد يضيء بنفسه من غير مسَاس نَارٍ أصلاً. { نورٌ على نورٍ } أي: نور المصباح متضاعف على نور الزيت الصافي، فهذا مثال النور الذي يقذفه الله في قلب المؤمن فالمشكاة هو الصدر،والمصباح نور الإيمان أو الإسلام أو الإحسان، على ما تقدم، والزجاجة هو القلب الصافي، ولذلك شبهه بالكوكب الدُرّيّ، والزيت هو العِلْمُ النافع الذي يقوي اليقين. ولذلك وصفه بالصفاء والإنارة.

السابقالتالي
2