الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

قلت: الأيامى: جَمْعُ أَيِّمٍ، وأصله: أيايم، فقلبت الياء لآخِر الكلمة، ثم قلبت ألفاً، فصارت أيامى. والأيم: من لاَ زوج له من الرجال والنساء. يقول الحق جل جلاله: { وَأَنْكِحُوا } أي: زَوِّجُوا { الأيامى منكم } أي: مَنْ لا زوج له من الرجال والنساء، بِكراً كان أو ثيباً. والمعنى: زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر. والخطاب للأولياء والحكام، أمرهم بتزويج الأيامى، فاقتضى ذلك النهي عن عضلهن. وفي الآية دليل عدم استقلال المرأة بالنكاح، واشتراط الولي فيه، وهو مذهب مالك والشافعي، خلافاً لأبي حنيفة. { والصالحين } أي: الخيّرين، أو: مَنْ يصلح للتزوج، { من عِبَادِكم وإمائِكم } أي: من غلمانكم وجواريكم، والأمر: للندب إذ النكاح مندوب إليه، والمخاطبون: ساداتهم. ومذهب الشافعي: أن السيد يُجبَر على تزويج عبيده، لهذه الآية، خلافاً لمالك، ومذهب مالك: أن السيد يَجْبُر عبدَه على النكاح، خلافاً للشافعي. واعتبار الصلاح في الأَرِقَّاءِ: لأن مَنْ لاَ صَلاَحَ له بمعزلٍ من أن يكون خليقاً بأن يَعْتَنِيَ مولاه بشأنه، وأيضاً: فالتزويج يحفظ عليه صَلاَحَهُ الحاصل، وأما عدم اعتبار الصلاح في الأحرار والحرائر لأن الغالب فيهم الصلاح، على أنهم مستبدون بالتصرف في أنفسهم وأموالهم، فإذا عزموا النكاح فلا بد من مساعدة الأولياء لهم. وقيل: المراد بالصلاح: صلاحهم للتزوج، والقيام بحقوقهم، فإن ضَعُفُوا لم يُزَوَّجُوا. ونفقة العبد على سيده إن زَوَّجَه، أو أَذن له، وإلا خُيِّر فيه. ثم قال تعالى: { إن يكونوا فقراءَ } من المال { يُغْنِهِمُ الله من فضله } بالكفاية والقناعة، أو باجتماع الرزقين. وفي الحديث: " التمسوا الرزق بالنكاح " وقال ابن عجلان: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة، فقال: " عليك بالباءة " ، أي: التزوج. وكذلك قال أبو بكر وعمر وعثمان لمن شكى إليهم العَيْلَةَ، متمسكين بقوله تعالى: { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم } ، فبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، حسبما تقتضيه المشيئة والحكمة والمصلحة. فالغِنَى، للمتزوج، مقيد بالمشيئة، فلا يلزم الخلف بوجود من لم يستغن مع التزوج، وقيل: مقيد بحسن القصد، وهو مغيب. والله تعالى أعلم. الترغيب في النكاح: قال صلى الله عليه وسلم: " تناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط " وقال صلى الله عليه وسلم: " من أحب فطرتي فليستن بسنتي، وهي النكاح، فإن الرجل يُرفعُ بدعاء ولده من بعده " ، وقال سمرة رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل. وقال - عليه الصلاة والسلام -: " من كان له ما يتزوج به، فلم يتزوج، فليس منا " وقال عليه الصلاة والسلام: " من أدرك له ولد، وعنده ما يزوجه به، فلم يزوجه، فأحدث، فالإثم بينهما "

السابقالتالي
2 3 4 5 6