الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { قل للمؤمنين } ، ويندرج فيهم المستأذنون بعد دخولهم البيوت اندراجاً أوَّلِيّاً، أي: قل لهم: { يغضُّوا مِنْ أبصارهم } ، و " مِن ": للتبعيض، والمراد: غض البصر عما يحرم، والاقتصار على ما يحل. ووجه المرأة وكفاها ليس بعورة، إلا خوف الفتنة، فيحل للرجل الصالح أن يرى وجه الأجنبية بغير شهوة. وفي الموطأ: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم، أو مع غلامها؟ قال مالك: لا بأس بذلك، على وجه ما يُعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال، وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله. هـ. وقال ابن القطان: فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبي، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا، وقد أبقاه الباجِي على ظاهره وقال عياض: ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها وإنما ذلك استحباب أو سنَّة لها، وعلى الرجل غض بصره. ثم قال في الإكمال: ولا خلاف أن فرض ستر الوجه مما اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. هـ. { و } قل لهم أيضاً: { يحفظوا فُرُوجَهُم } ، إلا على أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم، وتقييد الغض بمن التبعيضية، دون حفظ الفروج لِما في النظر من السَّعَة، فيجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها وقدميها، وإلى رأس المحارم والصدور والساقين والعضدين. قاله النسفي. قلت: ومذهب مالك: حرمة نظر الساقين والعضدين من المحرَم، فإن تعذر التحرر مِنْهُ، كشغل البنات في الدار، باديات الأرجلِ، فليتمسك بقول الحنفي، إن لم يقدر على غض بصره. قاله شيخنا الجنوي. { ذلك أَزْكَى لهم } أي: أطهر لهم من دَنَسِ الإثم أو الريبة، { إن الله خبير بما يصنعون } ، وفيه ترغيب وترهيب، يعني: أنه خبير بأحوالهم وأفعالهم، فكيف يجيلون أبصارهم، وهو يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور؟! فعليهم، إذا عرفوا ذلك، أن يكونوا منه على حَذر. { وقُلْ للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن } بالتستر والتصون عن الزنا، فلا تنظر إلى ما لا يحل لهن النظر إليه من عورات الرجال والنساء، وهي من الرجل: ما عدا الوجه والأطراف، ومن النساء: ما بين السرة والركبة، فلا يحل للمرأة أن تنظر إلى الرجل ما سوى الوجه والأطراف، أو بشهوة. وقيل: إن حصل الأمن من الشهوة جاز، وعليه يحمل نظر عائشة إلى الحبشة. { وَيَحْفَظْنَ فُروجَهُنَّ } من الزنا والمساحقة. وإنما قدّم غض البصر على حفظ الفروج لأن النظر بريد الزنا، ورائد الفجور، فَبَذْرُ الهوى طُمُوحُ العَيْنِ. { ولا يُبدينَ زينتَهُن } كالحُلي، والكحل، والخِصاب، والمراد بالزينة: مَوَاضِعُها، فلا يحل للمرأة أن تظهر مواضع الزينة، كانت مُتَحَلِّيَةً بها أم لا، وهي: الرأس، والأُذن، والعنق، والصدر، والعضدان، والذراع، والساق. والزينة هي: الإكليل، والقرط، والقلادة، والوِشاح، والدملج، والسوار والخلخال.

السابقالتالي
2 3 4