الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } أي: بيوتاً لستم تملكونها ولا تسكنونها، { حتى تستَأْنسوا } تسأذنوا، وقُرىءَ به، والاستئناس: الاستعلام، والاستكشاف، استفعال، من أنَس الشيء: أبصره، فإن المستأذن مستعلم للحال، مستكشف له، هل يؤذن له أم لا، ويحصل بذكر الله جهراً، كتسبيحة أو تكبيرة. أو تَنَحْنُحٍ، { وتُسلِّموا على أهلها } ، بأن يقول: السلام عليكم، أَأَدْخُلُ؟ ثلاث مرات، فإذا أُذن له، وإلا رجع، فإن تلاقيا، قدّم التسليم، وإلا، فالاستئذان. { ذلكم } أي: التسليم { خيرٌ لكم } من أن تدخلوا بغتة، أو من تحية الجاهلية. كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتاً غير بيته يقول: حُييتم صباحاً، حييتم مساءاً، فربما أصاب الرجلَ مع امرأته في لحاف. رُوي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أَأَسْتأذنُ على أمي؟ قال: " نَعَم " قال: ليس لها خادم غيري، أأستأذن عليها كلما دَخَلْتُ؟ قال صلى الله عليه وسلم: " أتحُبُّ أن تراها عريانة...؟ " { لعلكم تذكَّرون } أي: أمرتكم به، أو: قيل لكم هذا لكي تتعظوا وتعملوا بموجبه. { فإن لم تجدوا فيها } في البيوت { أحداً } ممن يستحق الإذن، من الرجال البالغين وأما النساء والولدان فوجودهم وعدمهم سواء، { فلا تدخلوها } ، على أن مدلول الآية هو النهي عن دخول البيوت الخالية لما فيه من الاطلاع على ما يعتاد الناس إخفاءه، وأما حرمة دخول ما فيه النساء والولدان فمن باب الأولى لما فيه الاطلاع على الحريم وعورات النساء. فإن لم يُؤذن لكم فلا تدخلوا، واصبروا { حتى يُؤْذَنَ لكم } من جهة من يملك الإذن، أو: فإن لم تجدوا فيها أحداً من أهلها، ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بد أن يكون برضاه. { وإن قيل لكم ارجِعُوا } أي: إذا كان فيها قوم، وقالوا: ارجعوا { فارجعوا } ولا تُلحُّوا في طلب الإذن، ولا تقِفُوا بالأبواب، ولا تخرقوا الحجاب لأن هذا مما يُوجب الكراهية والعداوة، وإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهية وجب الانتهاء عن كل ما أدى إليها من قرع الباب بعنف، والتصييح بصاحب الدار، وغير ذلك. وعن أبي عبيد: " ما قرعت باباً على عالم قط ". فالرجوع { هو أزْكَى لكمْ } أي: أطيب لكم وأطهر لِمَا فيه من سلامة الصدور والبُعد عن الريبة، والوقوفُ على الأبواب من دنس الدناءة والرذالة. { والله بما تعملون عليم } فيعلم ما تأتون وما تذرون مما كلفتموه، فيجازيكم عليه. وهو وعيد للمخاطبين. { ليس عليكم جُنَاحٌ } في { أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونةٍ } أي: غير موضوعة لسكنى طائفة مخصوصة، بل يتمتع بها مَنْ يُضطر إليها، من غير أن يتخذها مسكناً كالرُّبَطِ، والخانات، والحمامات، وحوانيت التجار.

السابقالتالي
2