الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

يقول الحق جل جلاله: { الخبيثاتُ } من النساء { للخبيثين } من الرجال، { والخبيثون } من الرجال { للخبيثات } من النساء. وهذه قاعدة السنة الإلهية، أن الله تعالى يسوق الأهل للأهل، فمن كان خبيثاً فاسقاً يُزوجه الله للخبيثة الفاسقة مثله، ومن كان طيباً عفيفاً رزقه الله طيبة مثله. وهو معنى قوله تعالى: { والطيباتُ } من النساء { للطيبين } من الرجال { والطيبون } من الرجال، { للطيباتِ } من النساء، فهذا هو الغالب. وحيث كان - عليه الصلاة والسلام - أطيب الأطيبين، وخيرة الأولين والآخرين، تبين كون الصديقة - رضي الله عنها - من أطيب الطيبات، واتضح بطلان ما قيل فيها من الخرافات، حسبما نطق به قوله تعالى: { أولئك مبرؤون مما يقولون } ، على أن الإشارة إلى أهل البيت، المنتظمين في سلك الصِّدِّيقِيَّةِ انتظاماً أولياً، وقيل: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصدِّيقة وصفوان، وما في اسم الإشارة من معنى البُعد، للإيذان بعلو رتبة المشار إليهم، وبُعْدِ منزلتهم في الفضل، أي: أولئك الموصوفون بعلو الشأن: مبرؤون مما يقوله أهله الإفك في حقهم من الأكاذيب الباطلة. وقيل: الخبيثات من القول تقال للخبيثين من الرجال والنساء، أي: لائقة بهم، لا ينبغي أن تقال إلا لهم. والخبيثون من الفريقين أَحِقَّاءُ بأن يُقَالَ في حقهم خبائث القول. والطيبات من الكلم للطيبين من الفريقين، مختصة بهم، وهم أحقاء بأن يقال في شأنهم طيبات الكلم. { أولئك } الطيبون { مبرؤون } مما يقول الخبيثون في حقهم. فمآله تنزيه الصديقة أيضاً. وقيل: الخبيثات من القول لا تصدر إلا من الخبيثين، والطيبات من الكلمات لا تصدر إلا من الطيبين، وهم مبرؤون مما يقوله أهل الخبث، لا يقع ذلك منهم أَلْبَتَّةَ، { لهم مغفرة } لما لا يخلو عنه البشر من الذنب، { ورزق كريم } هو نعيم الجنان. دخل ابن عباس رضي الله عنه على عائشة - رضي الله عنها - في مرضها، وهي خائفة من القدوم على الله عز وجل، فقال: لا تخافي، فإنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم، وتلى الآية، فغشي عليها: فرحاً بما تلا. وقالت رضي الله عنها -: قد أُعْطِيت تسعاً ما أُعْطِيَتْهُنَّ امرأة: نزل جبريل بصورتي في راحته، حين أمر- عليه الصلاة والسلام - أن يتزوجني، وتزوجني بكراً، وما تزوج بكراً غيري، وتوفي - عليه الصلاة والسلام - ورأسه في حِجْري، وقبره في بيتي، وينزل عليه الوحي وأنا في لحافه، وأنا ابنة خليفته وصديقه، ونزل عذري من السماء، وخُلقت طيبة عند طيب، ووُعدت مغفرةً ورزقاً كريماً. الإشارة: الأخلاق الخبيثة مثل الكبر، والعجب، والرياء، والسمعة، والحقد، والحسد، وحب الجاه والمال، للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، فهم متصفون بها، وهي لازمة لهم، إلا أن يَصْحُبوا أهل الصفاء والتطهير، فيتطهرون بإذن الله، والأخلاق الطيبات كالتواضع، والإخلاص، وسلامة الصدور، والزهد، والورع، والسخاء، والكرم، وغير ذلك من الأخلاق الطيبة، للطيبين، والرجال الطيبون للأخلاق الطيبات. أولئك مبرؤون مما يقول أهل الإنكار فيهم، لهم مغفرة ستر لعيوبهم، ورزق كريم لأرواحهم من قوت اليقين، وشهود رب العالمين. وبالله التوفيق. ولمّا كان سبب الافك هو تهمة الخلوة، أمر بالاستئذان، فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً... }