الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول الحق جل جلاله: { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خُطواتِ الشيطان } أي: لا تسلكوا مسالكه في كل ما تأتون وتذرون من الأفاعيل، والتي من جملتها: منع الإحسان إلى من أساء إليكم غضباً وحَمِيَّةً، { ومن يتبع خُطُوات الشيطان } ، وضع الظاهر موضع المضمر، حيث لم يقل: ومن يتبعها، أو: ومن يتبع خطواته لزيادة التقرير والمبالغة في التنفير، { فإنه } أي: الشيطان { يأمرُ بالفحشاء } كالبخل والشح، وكل ما عَظُمَ قُبْحُهُ، { والمنكر } كالغضب، والحمية، وكل ما ينكره الشرع لأن شأن الشيطان أن يأمر بهما. فمن اتبع خطواته فقد امتثل أمره. { ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتُه } بالهداية والتوفيق لأسباب التطهير والعصمة والحفظ، { ما زَكَى منكم } أي: ما طَهُرَ من أَدْناسِ العيوب ولوث الفواحش { من أحدٍ أبداً } إلى ما لا نهاية له، وإذا كان التطهير والعصمة بيد الله فلا تروا لأنفسكم فضلاً عمن لم يعصمه الله فإنه مقهور تحت مجاري الأقدار، { ولَكِنَّ الله يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } يطهر من يشاء من عباده بإفاضة آثار فضله ورحمته عليه بالحفظ والرعاية، أو بالتوبة بعد الجناية، { والله سميعٌ عليم } سميع لأقوالكم وإن خفيت، ومن جملتها: الحلف على ترك فعل الخير، عليم بنياتكم وإخلاصكم. وهذا الكلام مقدمة لقوله: { ولا يأْتَل } ، من قولك: أليت: إذا حلفت، أي: لاَ يَحْلِفْ { أولو الفضل منكم } أي: في الدين، وكفى به دليلاً على فضل الصِّدِيقِ رضي الله عنه، { والسَّعَةِ }. أي: والسعة في المال { أن يُؤتوا } أي: لا يحلف على ألا يُعطوا { أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيلِ الله } كمسطح، فإنه كان ابن خالته، وكان من فقراء المهاجرين. وهذه الأوصاف هي لموصوف واحد، جيء بها، بطريق العطف تنبيهاً على أن كلاًّ منها علة مستقلة لا ستحقاقه الإيتاء. وحذف المفعول الثاني لظهوره، أي: على ألاّ يؤتوهم شيئاً، { وليعفُوا } عما فرط منهم { وليصفحُوا } بالإغضاء عنه، فالعفو: التستر، والصفح: الإعراض، أي: وليتجاوزوا عن الجفاء، وليُعرضوا عن العقوبة. { ألا تُحبُّون أن يغفر الله لكم }؟ فلتفعلوا ما تحبون أن يُفْعَلَ بكم وبهم، مع كثرة خطاياهم، { والله غفور رحيم } مبالغ في المغفرة والرحمة، مع كثرة ذنوب العباد، فتأدبوا بآداب الله، واعفوا، وارحموا. ولما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه قال: بل أُحب أن يغفر الله لي. ورد إلى مسطح نفقته، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً. وبالله التوفيق. الإشارة: كل ما يصد عن مكارم الأخلاق كالحلم، والصبر، والعفو، والكرم، والإغضاء، وغير ذلك من الكمالات، فهو من خطوات الشيطان، تجب مجانبته، فإن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر كالغضب، والانتصار، والحمية، والحقد، والشح، والبخل، وغير ذلك من المساوئ، ولا طريق إلى الدواء من تلك المساوئ إلا بالرجوع إلى الله والاضطرار له، والتعلق بأذيال فضله وكرمه.

السابقالتالي
2